تفسير جوامع الجامع - الشيخ الطبرسي - ج ٢ - الصفحة ١٩٣
بعيد مدى التطريب أول صوته * زفير ويتلوه شهيق محشرج (1) * (ما دامت السماوات والأرض) * يعني: المبدلتين، أي: ما دامت سماوات الآخرة وأرضها وهي مخلوقة للأبد، وكل ما علاك وأظلك فهو سماء، ولابد لأهل الآخرة مما يظلهم ويقلهم، وقيل: إن ذلك عبارة عن التأبيد (2) كقول العرب:
" ما لاح كوكب وما أقام ثبير ورضوى "، وغير ذلك من كلمات التأبيد * (إلا ما شاء ربك) * هو استثناء من الخلود في عذاب النار ومن الخلود في نعيم الجنة، وذلك أن أهل النار لا يعذبون بالنار وحدها، بل يعذبون بأنواع من العذاب، وبما هو أغلظ من الجميع وهو سخط الله عليهم وإهانته إياهم، وكذلك أهل الجنة لهم سوى الجنة مما هو أكبر منها وهو رضوان الله وإكرامه وتبجيله، فهو المراد بالاستثناء، وقيل:
المراد بالاستثناء من * (الذين شقوا) * وخلودهم: من شاء الله أن يخرجه من النار بتوحيده وإيمانه لإيصال الثواب الذي استحقوه بطاعتهم إليهم (3)، ويكون " ما " بمعنى " من "، كما يروى عن العرب: " سبحان ما سبحت له " يقولونه عند سماع الرعد، وكقوله: * (سبح لله ما في السماوات وما في الأرض) * (4)، والمراد بالاستثناء من * (الذين سعدوا) * وخلودهم في الجنة أيضا: هؤلاء الذين ينقلون إلى الجنة من النار، والمعنى: * (خالدين فيها... إلا ما شاء ربك) * من الوقت الذي أدخلهم فيه النار قبل أن ينقلهم إلى الجنة، ف‍ * (ما) * هاهنا على بابه والاستثناء

(١) يصف فيه حمار وحش بحسن الصوت وطول النفس. انظر شرح شواهد الكشاف للأفندي:
ص ٣٥٥.
(٢) حكاه البغوي في تفسيره: ج ٢ ص ٤٠٢ ونسبه إلى أهل المعاني.
(٣) قاله ابن عباس والضحاك وقتادة، ويرويه أنس عن النبي (صلى الله عليه وآله). راجع تفسير الماوردي: ج ٢ ص ٥٠٥.
(٤) الحشر: ١، الصف: 1.
(١٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 188 189 190 191 192 193 194 195 196 197 198 ... » »»