ينصف خصمه مع علمه أنه مبطل فيحكي قوله - كما هو - غير متعصب لمذهبه ليكون ذلك أدعى إلى الحق وأرفع للشغب، ثم يبطله بعد بالحجة في قوله:
* (لا أحب الآفلين) * أي: لا أحب عبادة الأرباب المحتجبين بحجاب، المتغيرين من حال إلى حال، المنتقلين (1) من مكان إلى مكان، فإن ذلك من صفات الأجسام ودلائل الحدوث، وقوله: * (لئن لم يهدني ربى) * تنبيه لقومه على أن من اتخذ القمر إلها وهو آفل مثل الكواكب يكون ضالا، وأن الهداية إلى الحق تكون بتوفيق الله تعالى ولطفه، وقوله: * (هذا أكبر) * أيضا من باب استعمال الإنصاف مع الخصوم، ثم قال: * (إني برئ مما تشركون) * من الأجرام التي تجعلونها شركاء سورة الأنعام / 80 و 81 لخالقها، وأما وجه التذكير في قوله: * (هذا ربى) * مع أن الإشارة للشمس فهو أنه جعل المبتدأ مثل الخبر لكونهما عبارة عن شئ واحد، كقولهم: من كانت أمك، وليصون الرب عن شبهة التأنيث، ألا تراهم لم يقولوا: الله - سبحانه - علامة وإن كان " العلامة " أبلغ من " علام " لهذا المعنى * (إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض) * أي: للذي دلت هذه المحدثات على أنه صانعها ومبدعها الذي دبر أحوالها: مسيرها وانتقالها وطلوعها وأفولها (2)، وقيل: إن هذا كان استدلاله في نفسه في زمان مهلة النظر وخطور الخاطر الموجب عليه الفكر فحكاه الله سبحانه (3)، والأول أظهر، لقوله: * (لئن لم يهدني ربى) * وقوله: * (يقوم إني برئ مما تشركون) *.