إنما هو لقصد الاختصاص، والمعنى: نخصك بالعبادة ونخصك بطلب المعونة.
والعبادة ضرب من الشكر وغاية فيه وكيفيته، وهي أقصى غاية الخضوع والتذلل، ولذلك لا تحسن إلا لله سبحانه الذي هو مولى أعظم النعم، فهو حقيق بغاية الشكر. وإنما عدل فيه عن لفظ الغيبة إلى لفظ الخطاب على عادة العرب في تفننهم في محاوراتهم، ويسمى هذا التفاتا، وقد يكون من الغيبة إلى الخطاب، ومن الخطاب إلى الغيبة، ومن الغيبة إلى التكلم كقوله سبحانه: * (حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم) * (1)، وقوله: * (والله الذي أرسل الريح فتثير سحابا فسقناه) * (2).
وأما الفائدة المختصة به في هذا الموضع فهو أن المعبود الحقيق بالحمد والثناء لما أجري عليه صفاته العلى تعلق العلم بمعلوم عظيم الشأن حقيق بالعبادة والاستعانة به في المهمات، فخوطب ذلك المعلوم المتميز بتلك الصفات، وقيل:
إياك - يامن هذه صفاته - نخص بالعبادة والاستعانة، ولا نعبد غيرك ولا نستعينه، ليكون الخطاب أدل على أن العبادة له لذلك المتميز (3) الذي لا تحق العبادة إلا له (4).
سورة الفاتحة / 6 و 7 وقرنت الاستعانة بالعبادة ليجمع بين ما يتقرب به العباد إلى ربهم وبين ما يطلبونه ويحتاجون إليه من جهته، وقدمت العبادة على الاستعانة لأن تقديم الوسيلة يكون قبل طلب الحاجة ليستوجبوا الإجابة إليها، وأطلقت الاستعانة ليتناول كل مستعان فيه. والأحسن أن تراد الاستعانة به وبتوفيقه على أداء العبادة، فيكون قوله: * (اهدنا) * بيانا للمطلوب من المعونة، كأنه قيل: كيف أعينكم؟ فقالوا: