____________________
كان قبلك من الأنبياء القائمين بالحق، وفيه دليل على أن حاله بعد التوبة بقيت على ما كانت عليه لم تتغير (فاحكم بين الناس بالحق) أي بحكم الله تعالى إذ كنت خليفته (ولا تتبع) هوى النفس في قضائك وغيره مما تنصرف فيه من أسباب الدين والدنيا (فيضلك) الهوى فيكون سببا لضلالك (عن سبيل الله) عن دلائله التي نصبها في العقول وعن شرائعه التي شرعها وأوحى بها. و (يوم الحساب) متعلق بنسوا: أي بنسيانهم يوم الحساب أو بقوله لهم:
أي لهم عذاب يوم القيامة بسبب نسيانهم وهو ضلالهم عن سبيل الله. وعن بعض خلفاء بنى مروان أنه قال لعمر بن عبد العزيز أو للزهري: هل سمعت ما بلغنا؟ قال: وما هو؟ قال: بلغنا أن الخليفة لا يجرى عليه القلم ولا تكتب عليه معصية، فقال: يا أمير المؤمنين الخلفاء أفضل أم الأنبياء؟ ثم تلا هذه الآية (باطلا) خلقا باطلا لا لغرض صحيح وحكمة بالغة أو مبطلين عابثين كقوله تعالى - وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين ما خلقناهما إلا بالحق - وتقديره ذوي باطل أو عبثا، فوضع باطلا موضعه كما وضعوا هنيئا موضع المصدر وهو صفة: أي ما خلقناهما وما بينهما للعبث واللعب ولكن للحق المبين، وهو أن خلقناها نفوسا أودعناها العقل والتمييز ومنحناها التمكين وأزحنا عللها، ثم عرضناها للمنافع العظيمة بالتكليف وأعددنا لها عاقبة وجزاء على حسب أعمالهم، و (ذلك) إشارة إلى خلقها باطلا، والظن بمعنى المظنون: أي خلقها للعبث لا للحكمة هو مظنون الذين كفروا.
فإن قلت: إذا كانوا مقرين بأن الله خالق السماوات والأرض وما بينهما بدليل قوله - ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله - فبم جعلوا ظانين أنه خلقها للعبث لا للحكمة؟ قلت: لما كان إنكارهم للبعث والحساب والثواب والعقاب مؤديا إلى أن خلقها عبث وباطل، جعلوا كأنهم يظنون ذلك ويقولون لأن الجزاء هو الذي سيقت إليه الحكمة في خلق العالم من رأسها، فمن جحده فقد جحد الحكمة من أصلها، ومن جحد الحكمة في خلق العالم فقد سفه الخالق وظهر بذلك أنه لا يعرفه ولا يقدره حق قدره، فكان إقراره بكونه خالقا كلا إقرار (أم) منقطعة، ومعنى الاستفهام فيها الإنكار، والمراد أنه لو بطل الجزاء كما يقول الكافرون لاستوت عند الله أحوال من أصلح وأفسد واتقى وفجر، ومن سوى بينهم كان سفيها ولم يكن حكيما. وقرئ مباركا وليتدبروا على الأصل ولتدبروا على الخطاب، وتدبر الآيات: التفكر فيها والتأمل الذي يؤدى إلى معرفة ما يدبر ظاهرها من التأويلات الصحيحة والمعانى الحسنة، لأن من اقتنع بظاهر المتلو لم يحل منه بكثير طائل وكان مثله كمثل من له لقحة
أي لهم عذاب يوم القيامة بسبب نسيانهم وهو ضلالهم عن سبيل الله. وعن بعض خلفاء بنى مروان أنه قال لعمر بن عبد العزيز أو للزهري: هل سمعت ما بلغنا؟ قال: وما هو؟ قال: بلغنا أن الخليفة لا يجرى عليه القلم ولا تكتب عليه معصية، فقال: يا أمير المؤمنين الخلفاء أفضل أم الأنبياء؟ ثم تلا هذه الآية (باطلا) خلقا باطلا لا لغرض صحيح وحكمة بالغة أو مبطلين عابثين كقوله تعالى - وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين ما خلقناهما إلا بالحق - وتقديره ذوي باطل أو عبثا، فوضع باطلا موضعه كما وضعوا هنيئا موضع المصدر وهو صفة: أي ما خلقناهما وما بينهما للعبث واللعب ولكن للحق المبين، وهو أن خلقناها نفوسا أودعناها العقل والتمييز ومنحناها التمكين وأزحنا عللها، ثم عرضناها للمنافع العظيمة بالتكليف وأعددنا لها عاقبة وجزاء على حسب أعمالهم، و (ذلك) إشارة إلى خلقها باطلا، والظن بمعنى المظنون: أي خلقها للعبث لا للحكمة هو مظنون الذين كفروا.
فإن قلت: إذا كانوا مقرين بأن الله خالق السماوات والأرض وما بينهما بدليل قوله - ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله - فبم جعلوا ظانين أنه خلقها للعبث لا للحكمة؟ قلت: لما كان إنكارهم للبعث والحساب والثواب والعقاب مؤديا إلى أن خلقها عبث وباطل، جعلوا كأنهم يظنون ذلك ويقولون لأن الجزاء هو الذي سيقت إليه الحكمة في خلق العالم من رأسها، فمن جحده فقد جحد الحكمة من أصلها، ومن جحد الحكمة في خلق العالم فقد سفه الخالق وظهر بذلك أنه لا يعرفه ولا يقدره حق قدره، فكان إقراره بكونه خالقا كلا إقرار (أم) منقطعة، ومعنى الاستفهام فيها الإنكار، والمراد أنه لو بطل الجزاء كما يقول الكافرون لاستوت عند الله أحوال من أصلح وأفسد واتقى وفجر، ومن سوى بينهم كان سفيها ولم يكن حكيما. وقرئ مباركا وليتدبروا على الأصل ولتدبروا على الخطاب، وتدبر الآيات: التفكر فيها والتأمل الذي يؤدى إلى معرفة ما يدبر ظاهرها من التأويلات الصحيحة والمعانى الحسنة، لأن من اقتنع بظاهر المتلو لم يحل منه بكثير طائل وكان مثله كمثل من له لقحة