التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٩ - الصفحة ٣١٣
هذه الآية عند رجوع النبي صلى الله عليه وآله من الحديبية، بشر في ذلك الوقت بفتح مكة، وتقديره (إنا فتحنا لك) مكة. وقال البلخي عن الشعبي في وقت الحديبية بويع النبي صلى الله عليه وآله بيعة الرضوان، وأطعموا نخيل خيبر، وظهرت الروم على فارس، وبلغ الهدي محله. والحديبية بئر، فروي انها غارت فمج النبي صلى الله عليه وآله فيها فظهر ماؤها حتى امتلاءت به. وقال قتادة: معنى (فتحنا) قضينا لك بالنصر. وقيل: معناه أعلمناك علما ظاهرا في ما أنزلناه عليك من القرآن وأخبرناك به من الدين، وسمي العلم فتحا، كما قال (وعنده مفاتح الغيب) (1) أي علم الغيب. وقال (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح) (2) وقال الزجاج: معناه أرشدناك إلى الاسلام، وفتحنا لك الدين بدلالة قوله (ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات) (3) وقال مجاهد (فتحنا لك فتحا مبينا) يعني نحره بالحديبية وحلقه. وقال قتادة: معناه قضينا لك قضاء بينا. وفي الحديبية مضمض رسول الله صلى الله عليه وآله في البئر وقد غارت فجاشت بالرواء. والفتح هو القضاء من قولهم:
اللهم أفتح لي. وقوله تعالى (ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين) (4) والفتح الفرج المزيل اللهم. ومنه فتح المسألة إذا انفرجت عن بيان ما يؤدي إلى المطلوب، ومنه فتح عليه القراءة، لأنه متعلق بالسهو، وينفتح بالذكر والفتح المبين هو الظاهر، وكذلك جرى فتح مكة.
وقوله (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) قيل جعل غفرانه جزاء عن ثوابه على جهاده في فتح مكة. وقيل في معناه أقوال:

(1) سورة 6 الانعام آية 59 (2) سورة 8 الأنفال آية 19 (3) سورة 33 الأحزاب آية 73 (4) سورة 7 الأعراف آية 88.
(٣١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 308 309 310 311 312 313 314 315 316 317 318 ... » »»
الفهرست