التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٩ - الصفحة ٥١٣
عن بعض النحويين ان الكلام خرج متوجها إلى قوم أنكروا البعث، وقالوا نحن نقدر على الامتناع من الموت، فقيل لهم: هلا رددتم النفس إذا بلغت الحلقوم إن كنتم صادقين فيما تدعونه. وقال الفراء: جواب (لولا) (ترجعونها) وهو جواب " فلولا إن كنتم غير مدينين " اجيبا بجواب واحد، قال ومثله " لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون ان يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب " (1) يعني إن الجواب والخبر في هذا على قياس واحد، وإنما جاز ان يجاب معنيان بجواب واحد، لان كل واحد منهما يوجب ذلك المعنى، والمعنى فلولا إذا بلغت الحلقوم على ادعائهم انه لا يصح أن يكون القادر على إخراجها قادرا على ردها يلزم أن يكون القادر على ردها غيره، وكذلك يلزم من قولهم إنه لا يصح ان يقدر على ردها للجزاء أن يكون القادر غيره منهم ومن أشباههم. والرجع جعل الشئ على الصفة التي كان عليها قبل، وهو انقلابه إلى الحال الأولى، ولو انقلب إلى غيرها لم يكن راجعا. ووجه إلزامهم على إنكار الجزاء ورجوع النفس إلى الدنيا ان إنكار أن يكون القادر على النشأة الأولى قادرا على النشأة الثانية كادعاء ان القادر على الثانية إنما هو من لم يقدر على الأولى، لان إنكار الأول يقتضي ايجاب الثاني كانكار أن يكون زيد المتحرك حركت نفسه في اقتضاء ان غيره حركه. ومعنى " غير مدينين " غير مجزبين. وقيل: معناه غير مملوكين، والدين الجزاء. ومنه قولهم: كما تدين تدان أي تجزي تجزى والدين العمل الذي يستحق به الجزاء من قوله " ان الدين عند الله الاسلام " (2) ومنه دين اليهود غير دين النصارى، وفلان يتدين أي يعمل ما يطلب به الجزاء من الله تعالى، وال عبد مدين، لأنه تحت جزاء

(1) سورة 3 آل عمران آية 188 (2) سورة 3 آل عمران آية 19.
(٥١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 508 509 510 511 512 513 514 515 516 517 518 ... » »»
الفهرست