التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٩ - الصفحة ٥٠٠
وقوله " إنهم كانوا قبل ذلك مترفين " قال ابن عباس: معناه إنهم كانوا في الدنيا متنغمين. وقوله " وكانوا يصرون على الحنث العظيم " قال قتادة ومجاهد كانوا يقيمون على الذنب العظيم، ولا يتوبون منه، ولا يقلعون عنه. وقال الحسن والضحاك وابن زيد: كانوا يقيمون على الشرك العظيم. وقيل: اصرارهم على الحنث هو ما بينه الله تعالى في قوله " وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت " (1) والاصرار الإقامة على الامر من جهة العزم على فعله، فالاصرار على الذنب نقيض التوبة منه، والحنث نقض العهد المؤكد بالحلف، فهؤلاء ينقضون العهود التي يلزمهم الوفاء بها، ويقمون على ذلك غير تائبين منه، ووصف الذنب بأنه عظيم أنه أكبر من غيره مما هو أصغر منه من الذنوب.
وقوله " وكانوا يقولون أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون أو آباؤنا الأولون "؟! حكاية من الله تعالى عما كان يقول هؤلاء الكفار من انكارهم البعث والنشور والثواب والعقاب وأنهم كانوا يقولون مستبعدين منكرين: أئذا متنا وخرجنا عن كوننا أحياء وصرنا ترابا وعظاما بالية أئنا لمبعوثون؟! ولم يجمع ابن عامر بين الاستفهامين إلا ههنا، أو يبعث واحد من آبائنا الذين تقدموا قبلنا ويحشرون ويردون إلى كونهم أحياء إن هذا لبعيد. والواو في قوله (أو آباؤنا) متحركة، لأنها واو العطف دخل عليها ألف الاستفهام، فقال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله (قل إن الأولين والآخرين لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم) أي قل لهم يا محمد إن تقدمكم من آبائكم أو غير آبائكم، والآخرين الذين يتأخرون عن زمانكم يجمعهم الله ويبعثهم ويحشرهم إلى وقت يوم معلوم عند الله، وهو يوم القيامة

(1) سورة 16 النحل آية 38
(٥٠٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 495 496 497 498 499 500 501 502 503 504 505 ... » »»
الفهرست