" أتمدونني بمال " والامداد الحاق الثاني بالأول، والثالث بالثاني إلى حيث ينتهي. والمعنى لست أرغب في المال الذي تمدونني به، وإنما أرغب في الايمان الذي دعوتكم إليه والاذعان بالطاعة لله ورسوله. ثم قال " فما آتاني الله خير مما آتاكم " بالتمكين من المال الذي لي أضعافه واضعاف أضعافه إلى ما شئت منه. ثم قال لهم " بل أنتم بهديتكم تفرحون " أي ما يهدى إليكم " لأنكم أهل مفاخرة في الدنيا ومكاثرة. وقيل بهديتكم التي أهديتموها إلي تفرحون.
والهدية العطية على جهة الملاطفة من غير مئابة، تهدى هدية، لأنها تساق إلى صاحبها على هداي، فالأصل الهداية وهي الدلالة على طريق الرشد. ثم حكى ما قال سليمان لرسولها الذي حمل الهدية " ارجع إليهم " وقل لهم " فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها " أي لا طاقة لهم بهم ولا يقدرون على مقاومتهم " ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون " فالذليل هو الناقص القوة في نفسه بما لا يمكنه أن يدفع غيره عن نفسه. والصاغر هو الذليل الصغير القدر المهين، يدل على معنى التحقير بشيئين، ونقيض الذليل العزيز وجمعه أعزة،. جمع الذليل أذلة.
ثم حكى تعالى أن سليمان قال لاشراف عسكره وأماثلة جنده " أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين " فاختلفوا في الوقت الذي قال سليمان " أيكم يأتيني بعرشها " فقال قوم قال ذاك حين جاءه الهدهد بالخبر، وهو الوقت الأول لأنه يبين به صدق الهدهد من كذبه، ثم كتب الكتاب بعد - في قول ابن عباس - وقال وهب بن منية: إنما قال ذلك بعد مجئ الرسل بالهدية.
واختلفوا في السبب الذي لأجله خص بالطلب فقيل لأنه أعجبته صفته فأحب أن يراه، وكان من ذهب وقوائمه مكلل من جوهر، على ما ذكره قتادة. وقال