التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٨ - الصفحة ٣٦٧
" فقد فاز فوزا عظيما " أي أفلح فلاحا عظيما، لأنه يفوز بالجنة، والثواب الدائم. وقيل: معناه فقد ظفر بالكرامة من الله والرضوان، وهو الفوز العظيم.
ثم اخبر تعالى بأنه عرض الأمانة على السماوات والأرض، فالأمانة هي العقد الذي يلزم الوفاء به مما من شأنه أن يؤتمن على صاحبه، وقد عظم الله شأن الأمانة في هذه الآية وأمر بالوفاء بها، وهو الذي امر به في أول سورة المائدة وعناه بقوله " يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود " وقيل في قوله " عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال " مع أن هذه الأشياء جمادات لا يصح تكليفها أقوال:
أحدها - ان المراد عرضنا على أهل السماوات وأهل الأرض وأهل الجبال وثانيها - ان المعني في ذلك تفخيم شأن الأمانة وتعظيم حقها، وأن من عظم منزلتها انها لو عرضت على الجبال والسماوات والأرض مع عظمها، وكانت تعلم بأمرها لأشفقت منها، غير أنه خرج مخرج الواقع لأنه أبلغ من المقدر.
وقوله " فأبين ان يحملنها " أي منعن ان يحملن الأمانة " وأشفقن منها " أي خفن من حملها " وحملها الانسان انه كان ظلوما جهولا " أي ظلوما لنفسه بارتكاب المعاصي، جهولا بموضع الأمانة واستحقاق العقاب على ارتكاب المعاصي وقال ابن عباس: معنى الأمانة الطاعة لله، وقيل لها أمانة لان العبد اؤتمن عليها بالتمكين منها ومن تركها. وقال تعالى " ليبلوكم أيكم أحسن عملا " (1) فرغب في الأحسن، وزهد في تركه. وقيل: من الأمانة ان المرأة اؤتمنت على فرجها والرجل على فرجه ان يحفظاهما من الفاحشة. وقيل: الأمانة ما خلق الله تعالى في هذه الأشياء من الدلائل على ربوبيته وظهور ذلك منها، كأنهم أظهروها

(1) سورة 11 هود آية 7
(٣٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 362 363 364 365 366 367 368 369 370 371 372 ... » »»
الفهرست