والانسان جحد ذلك وكفر به. وفائدة هذا العرض إظهار ما يجب من حفظها وعظم المعصية في تضييعها.
وقيل معنى " حملها الانسان " أي خانها، لان من خلق الأمانة فقد حملها وكذلك كل من اثم فقد حمل الاثم، كما قال تعالى " وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم " (1) وقال البلخي: يجوز أن يكون معنى العرض والإباء ليس هو ما يفهم بظاهر الكلام، بل إنما أراد تعالى أن يخبر بعظم شأن الأمانة وجلالة قدرها " وفظاعة خيانتها وترك أدائها، وانه لوجد السماوات مع عظمها لا تحملها وإن الانسان حملها، وليس الانسان - ههنا - واحدا بعينه، ولا هو المطيع المؤمن، بل هو كل من خان الأمانة ولم يرد الحق فيها، وحمل الانسان الأمانة هو ضمانة القيام بها وإداء الحق فيها، لان ذلك طاعة منه لله، واتباع لامره والله لا يعتب على طاعته وما امر به ودعا إليه لكن معنى " حملها " انه احتملها ثم خانها ولم يؤد الحق فيها، كأن ه حملها فذهب بها واحتمل وزرها، كما يقولون فلان أكل أمانته أي خان فيها، والعرب تقول: سألت الربع، وخاطبت الدار فأجابني بكذا، وقالت كذا، وربما قالوا: فلم يجب، وامتنعت من الجواب.
وليس هناك سؤال ولا جواب، وإنما هو اخبار عن الحال التي تدل عليه، وعبر عنه بذكر السؤال والجواب، كما قال تعالى " ائتيا طوعا لو كرها " للسموات والأرض " قالتا أتينا طائعين " (2) وهو تعالى لا يخاطب من لا يفهم ولا يعقل، وقال تعالى * (لقد جئتم شيئا إدا تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا) * (3) ونحن نعلم أن السماوات لم تشعر بما كان من