" فألقى عصاه " حينئذ موسى " فإذا هي ثعبان مبين " وهي الحية العظيمة، ومنه المثعب وهو المجرى الواسع، وانثعب الماء انثعابا إذا جرى باتساع، ومنه الثعبان لأنه يجري باتساع لعظمه. وفى قلب العصا حية دلالتان:
إحداهما - دلالة على الله تعالى، لأنه مما لا يقدر عليه إلا هو، وليس مما يلتبس بايجاب الطبائع، لأنه اختراع، للانقلاب في الحال.
والثاني - دلالة على النبوة بموافقته الدعوة مع رجوعها إلى حالتها الأولى لما قبض عليها. وقيل: الثعبان الحية الذكر، ووصفه تعالى العصا - ههنا - بأنها صارت مثل الثعبان، لا ينافي قوله " كأنها جان " من وجوه:
أحدها - انه تعالى لم يقل، فإذا هي جان، كما وصفها بأنها ثعبان، وإنما شبهها بالجان، ولا يجوز أن تكون مثله على كل حال.
والثاني - انه وصفها بالثعبان في عظمها، وبالجان في سرعة حركتها، فكأنها مع كبرها في صفة الجان لسرعة الحركة، وذلك أبلغ في الاعجاز.
وثالثها - انه أراد أنها صارت مثل الجان في أول حالها، ثم تدرجت إلى أن صارت مثل الثعبان، وذلك أيضا أبلغ في باب الاعجاز.
ورابعها - ان الحالين مختلفان، لان إحداهما كانت حين ألقى موسى فصارت العصا كالثعبان، والحالة الأخرى حين أوحى الله إليه وناداه من الشجرة.
ومعنى (مبين) قال ابن عباس: انه ثعبان لا شبهة فيه. وقيل: معناه مبين وجه الحجة به. وروي أنها غرزت ذنبها في الأرض ورفعت رأسها نحو الميل إلى السماء، ثم انحطت فجعلت رأس فرعون بين نابيها، وجعلت تقول: مرني بما شئت،