وقيل قول ثالث - انه لا يوثق بأنها نعمة منك مع ظلمك بني إسرائيل في تعبيدهم، وفى كل ذلك دلالة وحجة عليه، وتقريع له.
ويجوز في * (أن) * النصب بمعنى لتعبيدك بني إسرائيل، والرفع بالرد على النعمة أي على تعبيدك بني إسرائيل. والتعبيد اتخاذ الانسان أو غيره عبدا تقول عبدته وأعبدته بمعنى واحد، قال الشاعر:
علام يعبد في قومي وقد كثرت * فيهم أباعر ما شاءوا وعبدان (1) وقال الجبائي بين أنه ليس لفرعون عليه نعمة، لان الذي تولى تربيته أمه وغيرها من بني إسرائيل بأمر فرعون لما استعبدهم. وقال الحسن: أراد أخذت أموال بني إسرائيل، واتخذتهم عبيدا فأنفقت علي من أموالهم. فأراد أن لا يسوغه ما امتن به عليه. وقال قوم: أراد أو تلك نعمة؟! مستفهما واسقط حرف الاستفهام.
وقوله تعالى * (قال فرعون وما رب العالمين) * حكاية من الله أن فرعون قال لموسى أي شئ رب العالمين الذي تدعوني إلى عبادته، لان هذا القول من فرعون يدل على أن موسى كان دعاه إلى طاعة الله وعبادته. وقيل: ان فرعون عجب من حوله من جواب موسى، لأنه طلب منه أي أجناس الأجسام هو؟ جهلا منه بما ينبغي أن يسأل عنه، فقال موسى في جوابه " رب السماوات والأرض وما بينهما " أي رب العالمين هو الذي اخترع السماوات والأرض وخلقهما، وخلق ما بينهما من الحيوان والجماد والنبات " إن كنتم موقنين " بذلك مصدقين به فقال فرعون - عند ذلك - لمن حوله من أصحابه " ألا تستمعون " أي ألا تصغون إليه، وتفهمون ما يقول معجبا لهم من قوله، حين عجز عن محاورته ومجاوبته.