ومن سكن (النكر) فعلى لغة من سكن (رسل). و (الامر) مأخوذ من الامر، لأنه الفاسد الذي يحتاج أن يؤمر بتركه إلى الصلاح، ومنه رجل أمر إذا كان ضعيف الرأي، لأنه يحتاج أن يؤمر حتى يقوي رأيه. ومنه آمر القوم إذا كثروا حتى احتاجوا إلى من يأمرهم وينهاهم، ومنه الامر من الأمور أي الشئ الذي من شأنه ان يؤمر فيه، ولهذا لم يكن كل شئ أمرا.
فقال له الخضر " ألم أقل لك " فيما قبل " انك لن تستطيع معي صبرا " أي لا يخف عليك ما تشاهده من أفعالي ويثقل عليك، لأنك لا تعرف المصلحة فيه، ولم يرد بالاستطاعة المقدرة، لان موسى كان قادرا في حال ما خاطبه بذلك، ولم يكن عاجزا، وهذا كما يقول الواحد منا لغيره أنا لا أستطيع النظر إليك، وإنما يريد أنه يثقل علي، دون نفي القدرة في ذلك. فقال له موسى في الجواب عن ذلك " لا تؤاخذني بما نسيت " وروي أنه قال ذلك لما رأى الماء لا يدخل السفينة مع خرقها. فعلم أن ذلك لمصلحة يريدها الله، فقال " لا تؤاخذني بما نسيت " وقيل في معنى نسيت ثلاثة أقوال:
أحدها - ما حكي عن أبي بن كعب، أنه قال: معناه بما غفلت من النسيان الذي هو ضد الذكر.
والثاني - ما روي عن ابن عباس أنه قال معناه: بما تركت من عهدك.
الثالث - لا تؤاخذني بما كأني نسيته، ولم ينسه في الحقيقة - في رواية أخرى - عن أبي بن كعب الأنصاري.
وقوله " ولا ترهقني من أمري عسرا " قيل معناه لا تغشني، من قولهم رهقه الفارس إذا غشيه وادركه، وغلام مراهق إذا قارب أن يغشاه حال البلوغ.
والارهاق ادراك الشئ بما يغشاه. وقيل معنى أرهقه الامر إذا ألحقه إياه.