وردت ونحن اليشكري حذاره * وحاد كما حاد البعير عن الدحض (1) ثم اخبر تعالى عنهم أنهم " اتخذوا آيات الله " ودلالته وما خوفوا به من معاصيه " هزوا " اي سخرية يسخرون منه. ثم قال تعالى " ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه " اي من أظلم لنفسه ممن نبه على أدلته وعرفه الرسل إياها " فاعرض عنها " جانبا، ولم ينظر فيها " ونسي ما قدمت يداه " أي نسي ما فعله من المعاصي التي يستحق بها العقاب. وقال البلخي: معناه تذكر واشتغل عنه استخفافا به، وقلة معرفة بعاقبته، لا انه نسيه.
ثم قال تعالى " انا جعلنا على قلوبهم أكنة " وهي جمع كنات كراهية أن يفقهوه، وقيل لئلا يفقهوه " وفي آذانهم وقرا " أي ثقلا. وقد بينا معنى ذلك فيما مضى وجملته أنه على التشبيه في جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه كقوله " وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا كان لم يسمعها كأن في أذنيه وقرا " (2) والمعنى كأن قلوبهم في أكنة عن أن تفقه. وفى آذانهم وقرا أن تسمع، وكأنه مستحيل أن يجيبوا الداعي إلى الهدى. ويقوي ذلك قوله " ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فاعرض عنها " فدل انه كان يسمعها حتى صح إعراضه عنها. وقال البلخي: يجوز أن يكون المراد انا إذا فعلنا ذلك ليفقهوا فلن يفقهوا، لأنه شبههم بذلك ويجوز أن يكون المراد بذلك الحكاية عنهم انهم قالوا ذلك، كما حكى تعالى " وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقرا ومن بيننا وبينك حجاب " (3) ثم قال إن كان الامر على ذلك فلن يهتدوا إذا أبدا.