عليهم في دينهم ودنياهم. وفيه امتنان على النبي صلى الله عليه وآله بأنا " لو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرا " فيخف عنك كثير من عب ء ما حملته، لكنا حملناك ثقل أوزار جميع القرى لتستوجب بصبرك عليه إذا صبرت عظيم المنزلة وجزيل الكرامة.
والنذير هو الداعي إلى ما يؤمن معه الخوف من العقاب، والانذار الاعلام بموضع المخافة. والنذر عقد البر على انتفاء الخوف، يقال تناذر القوم تناذرا إذا انذر بعضهم بعضا. ثم قال لنبيه صلى الله عليه وآله " فلا تطع الكافرين " يا محمد بالإجابة إلى ما يريدون " وجاهدهم " في الله " جهادا كبيرا " شديدا، والهاء في قوله " به " عائدة إلى القرآن - في قول ابن عباس والحسن - وقال الحسن: معنى " فلا تطع الكافرين " لا تطعهم فيما يصرفك عن طاعة الله. وقيل: فلا تطعهم: بمعاونتهم فيما يريدونه مما ببعد عن دين الله، وجاهدهم بترك طاعتهم.
ثم عاد تعالى إلى تعديد نعمه عليهم فقال (وهو الذي مرج البحرين) ومعناه أرسلهما في مجاريهما، كما ترسل الخيل في المرج، فهما يلتقيان، فلا يبغي الملح على العذب ولا العذب على الملح، بقدرة الله. والعذب الفرات: وهو الشديد العذوبة، والملح الأجاج يعني المر.
ثم قال (وجعل بينهما برزخا) أي حاجزا يمنع كل واحد منهما من تغيير الآخر (وحجرا محجورا) معناه يمنع أن يفسد أحدهما الآخر. وقال المبرد: شبه الخلط بحجر البيت الحرام. وأصل المرج الخلط. ومنه قوله " في امر مريج " (1) أي مختلط.
وفى الحديث: مرجت عهودهم أي اختلطت، وسمي المرج بذلك، لأنه يكون فيه أخلاط من الدواب. ومرجت دابتك إذا ذهبت بتخليتك حيث شاءت قال الراجز:
رعى بها مرج ربيع ممرجا (2)