يا رب نجني وأهلي من الكرب العظيم فقال الله تعالى " فاستجبنا له " اي أجبناه إلى ما التمسه " فنجيناه وأهله من الكرب العظيم ". والكرب الغم الذي يحمى به القلب، ويحتمل أن يكون غمه كان لقومه. ويجوز أن يكون من العذاب الذي نزل بهم.
وقوله " ونصرناه من القوم الذين كذبوا بآياتنا " اي منعناه منهم ان يصلوا إليه بسوء. ومعنى نصرته عليه أعنته على غلبه. ثم اخبر تعالى " انهم كانوا قوم سوء " فأغرقهم الله أجمعين بالطوفان.
ثم قال واذكر يا محمد " داود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ " في الوقت الذي " نفشت فيه غنم القوم " والنفش لا يكون الا ليلا على ما قاله شريح. وقال الزهري:
الهمل والنشر بالنهار، والنفش بالليل، والحرث الذي حكاه فيه: قال قتادة: هو زرع وقعت فيه الغنم ليلا، فأكلته. وقيل: كرم قد نبتت عناقيده - في قول ابن مسعود - وشريح. وقيل: ان داود كان يحكم بالغنم لصاحب الكرم. فقال سليمان:
غير هذا يا نبي الله. قال: وما ذاك؟ قال: يدفع الكرم إلى صاحب الغنم فيقوم عليه حتى يعود كما كان، وتدفع الغنم إلى صاحب الكرم فيصيب منها، حتى إذا عاد الكرم كما كان دفع كل واحد إلى صاحبه - ذكره ابن مسعود - وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله (ع). وقال أبو علي الجبائي: أوحى الله إلى سليمان مما نسخ به حكم داود الذي كان يحكم به قبل. ولم يكن ذلك عن اجتهاد، لان الاجتهاد لا يجوز ان يحكم به الأنبياء. وهذا هو الصحيح عندنا. وقال ابن الاخشاذ، والبلخي والرماني:
يجوز أن يكون ذلك عن اجتهاد، لان رأي النبي أفضل من رأي غيره، فكيف يجوز التعبد بالتزام حكم غيره من طريق الاجتهاد، ويمتنع من حكمه من هذا الوجه. والدليل على صحة الأول ان الأنبياء (ع) يوحى إليهم، ولهم طريق إلى العلم بالحكم، فكيف