الثالث - قال أبو جعفر (ع) كان أول ما قال لهم: إني أتأخر عنكم ثلاثين يوما، ليسهل عليهم، ثم زاد عليهم عشرا، وليس في ذلك كذب، لأنه إذا تأخر عنهم أربعين ليلة، فقد تأخر ثلاثين قبلها. وقال الحسن كان الموعد أربعين ليلة في أصل الوعد، فقال في البقرة " واعدنا موسى أربعين ليلة " (1) وفصله - ههنا - على وجه التأكيد فقال ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر.
وقوله تعالى " فتم ميقات ربه أربعين ليلة " ومعناه فتم الميقات أربعين ليلة، وإنما قال ذلك مع أن ما تقدم دل على هذا العدد، لأنه لو لم يورد الجملة بعد التفصيل وهو الذي يسميه الكتاب الفذلكة، لظن قوله " وأتممناها بعشر " أي كملنا الثلاثين بعشر حتى كملت ثلاثين، كما يقال: تممت العشرة بدرهمين وسلمتها إليه.
وقيل في معنى قوله تعالى " واعدنا موسى ثلاثين ليلة " ينفرد فيها للعبادة في المكان الذي وقت له ثم أتم الأربعين.
والفرق بين الميقات والوقت أن الميقات ما قدر ليعمل فيه عمل من الاعمال والوقت وقت الشئ قدره مقدر أو لم يقدره، ولذلك قيل: مواقيت الحج وهي المواضع التي قدرت للاحرام بها.
وقوله تعالى " وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين " الذين يفسدون في الأرض، وإنما أمره بذلك مع أنه نبي مرسل، لان الرياسة كانت لموسى (ع) على هارون وجميع أمته، ولم يكن يجوز أن يقول هارون لموسى مثل ذلك. وقال أبو علي: السبعون الذين اختارهم موسى الميقات كانوا معه في هذا الخروج، وسمعوا كلام الله لموسى (ع) وكانوا شهدوا له بذلك.
وقوله " هارون " في موضع جر، لأنه بدل من قوله (لأخيه) وإنما فتح لأنه لا ينصرف، ولو رفع على النداء كان جائزا ولم يقرأ به أحد.