يليها الفعل، لأنها حينئذ قد صارت حرفا من حروف الابتداء. واللام في قوله " لفاسقين " لام الابتداء التي تكسر لها (ان) وإنما جاز ان يعمل ما قبلها فيما بعدها، لأنها مزحلقة عن موضعها إذ لها صدر الكلام ولكن كره الجمع بينها وبين (ان) فأخرت.
وقال قوم: المعنى وما وجدنا أكثرهم الا فسقة. فان قيل: كيف قال " أكثرهم لفاسقين " وهم كلهم فاسقون؟
قيل يجوز أن يكون الرجل عدلا في دينه غير متهتك ولا مرتكب لما يعتقد قبحه وتحريمه، فيكون تأويل الآية وما وجدنا أكثرهم - مع كفره - الا فاسقا في دينه غير لازم لشريعته خائنا للعهد قليل الوفاء، وإن كان ذلك واجب عليه في دينه.
وفيها دلالة على أنه يكون في الكفار من يفي بعهده ووعده وبعيد عن الخلف وإن كان كافرا. وكذلك قد يكون منهم المتدين الذي لا يرى أن يأتي ما هو فسق في دينه كالغصب والظلم، فأخبر تعالى انهم مع كفرهم كانوا لا وفاء لهم ولا يدينون بمذهبهم بل كانوا يفعلون ما هو فسق عندهم، وذلك يدل على صح قول من يقول تجوز شهادة أهل الذمة في بعض المواضع.
قوله تعالى:
ثم بعثنا من بعدهم موسى بآياتنا إلى فرعون وملائه فظلموا بها فانظر كيف كان عاقبة المفسدين (102) آية أخبر الله تعالى في هذه الآية انه بعد ارسال من ذكر قصته من الأنبياء، وكفر قومهم، وانزال عذابه بهم. فالهاء والميم يجوز أن يكون كناية عن الأنبياء الذين جرى ذكرهم، ويحتمل أن يكون كناية عن الأمم التي - قد تقدم ذكرهم واهلاكهم - بعث إليهم موسى وأرسله إليهم. والبعث الارسال وهو في الأصل النقل باعتماد يوجب الاسراع إلى الشئ، فمنه قوله " انظرني