لا يشعر الا أنه قد كثر استعماله في الحيلة عليه، قال الخليل: المكر الاحتيال باظهار خلاف الاضمار، وإنما جاز إضافة المكر إلى الله لما في ذلك من المبالغة من جهة انه قد صار العذاب كالمكر على الحقيقة، لأنه اخذ للعبد بالضر من حيث لا يشعر، واصل المكر الالتفات، فمنه ساق ممكورة أي ملتفة حسنة قال ذو الرمة:
عجزاء ممكورة خمصانة قلق * عنها الوشاح وثم الجسم والعصب (1) والمكور شجر ملتف قال الراجز:
* يستن في علقي وفي مكور * (2) ورجل ممكور قصير ملتف الخلقة ذكره الخليل في هذا الباب تقول:
مكر يمكر مكرا إذا التف تدبيره على مكروه لصاحبه.
وقوله " فلا يأمن مكر الله الا القوم الخاسرون " إنما ارتفع ما بعد (الا) لان الرافع مفرغ له فارتفع لأنه فاعل، وكلما فرغ الفعل لما بعد (الا) فهي فيه ملغاة، وكل ما شغل بغيره فهي فيه مسلطة، لان الاسم لا يتصل على ذلك الوجه الا بها. وإنما قال " فلا يأمن مكر الله الا القوم الخاسرون " مع أن الأنبياء المعصومين يأمنون ذلك لامرين:
أحدهما - انهم لا يأمنون عقاب الله للعاصين، ولذلك سلموا مواقعة الذنوب الثاني - " فلا يأمن مكر الله " من المذنبين " الا القوم الخاسرون ".
ومعنى الآية الإبانة عما يجب أن يكون عليه المكلف من الخوف لعقاب الله، ليسارع إلى طاعته واجتناب معاصيه، ولا يستشعر الامن من ذلك، فيكون قد خسر في دنياه وآخرته بالتهالك في القبائح.
قوله تعالى:
أو لم يهد للذين يرثون الأرض من بعد أهلها أن لو نشاء