أليس في التوراة أن الله يبغض الحبر السمين؟ فغضب، وقال: ما أنزل الله على بشر من شئ، فلعنته اليهود وتبرأت منه، فنزلت هذه الآية، ذكر ذلك عكرمة وقتادة، وقال محمد بن كعب القرطي: نزلت في جماعة من اليهود. وروي مثل ذلك عن ابن عباس. وقال مجاهد نزلت في مشركي قريش، وروي ذلك عن ابن عباس أيضا، وهو أشبه بسياق الآية، لأنهم الذين أنكروا أن يكون الله أنزل كتابا على بشر، دون اليهود والنصارى.
ومعنى قوله " وما قدروا الله حق قدره " أي ما عرفوه حق معرفته وما وصفوه بما هو أهل أن يوصف به " إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شئ " أي ما أرسل الله رسولا، ولم ينزل على بشر من شئ، مع أن المصلحة والحكمة يقتضيان ذلك ودلت المعجزات الباهرة على بعثة كثير منهم. ثم أمر الله نبيه أن يقول لهم " من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس " فإنهم يقرون بذلك، وان الله أنزله وبعث موسى (ع) نبيا وإن لم يقروا بذلك فقد خرجوا من اليهودية إلى قول من ينكر النبوات. والكلام على من انكر ذلك أصلا مذكور في النبوات مستوفى لا نطول بذكره هاهنا.
وعلى ما قلناه: من أن الآية متوجهة إلى مشركي قريش من حيث أن الله تعالى من أول السورة إلى هاهنا في الاخبار عن أوصاف المشركين وعن أحوالهم وكذلك أول الآية في قوله " وما قدروا الله حق قدره " لأنهم كانوا لا يعتقدون التوحيد ويعبدون مع الله الأصنام، وأهل الكتاب كانوا بخلاف ذلك، لأنهم كانوا يعتقدون التوحيد فلا يليق بهم ذلك، وإن كان اليهود عندنا أيضا غير عارفين بالله على وجه يستحقون به الثواب. والقول الاخر أيضا محتمل.
فعلى ما اخترنا يكون قوله " قل من انزل الكتاب " متوجها إلى اليهود والنصارى، لأنهم المقرون بذلك دون قريش ومشركي العرب، ويجوز أن يكون متناولا للمشركين أيضا، ويكون على وجه الاحتجاج عليهم، والتنبيه لهم على ما ظهر من معجزات موسى وظهور نبوته، وهذا الذي اخترناه قول