فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٦ - الصفحة ٣٣٦
منه ولا ينحت من دين المؤمن شئ، واللين لين الجانب وسهولة الانقياد إلى الخير والمسامحة في المعاملة (كالجمل) أي كل واحد منهم. قال الزمخشري: ويجوز جعله صفة لمصدر محذوف أي لينون لينا مثل لين الجمل (الأنف) بفتح الهمزة وكسر النون من أنف البعير إذا اشتكى أنفه من البرة فقد أنف على القصر وروي آنف بالمد. قال الزمخشري: والصحيح الأول اه‍. وبالغ في شرح المصابيح فقال المد خطأ قال ابن الكمال: مدحهم بالسهولة واللين لأنهما من الأخلاق الحسنة على ما نطق به الكتاب المبين * (فيما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك) * فإن قلت: من أمثالهم لا تكن رطبا فتعصر ولا يابسا فتكسر، ولهذا قال لقمان لابنه: يا بني لا تكن حلوا فتبلع ولا مرا فتلفظ، ففيه نهي عن اللين فما وجه كونه مدح؟ قلت: لا شبهة في أن خير الأمور أوساطها وقد أطبق العقل والنقل على أن طرفي الإفراط والتفريط في الأفعال والأحوال والأقوال مذموم إنما الممدوح ما في الطبيعة من حالة جبلية مقابلة لغلظ القلب وقساوته وإنما يعبر عنها باللين تسمية لها باسم أثرها وذلك سائغ (إن قيد انقاد وإذا أنيخ على صخرة استناخ) فإن البعير إذا كان أنفا للوجع الذي به ذلول منقاد إلى طريق سلك به فيه أطاع، والمراد أن المؤمن سهل يقضي حوائج الناس ويخدمهم وشديد الانقياد للشارع في أوامره ونواهيه وخص ضرب المثل بالجمل لأن الإبل أكثر أموالهم وآخرها. قال في الفائق: والمحذوف من يائي هين لين الأولى وقيل الثانية والكاف مرفوعة المحل على أنها خبر ثالث. - (ابن المبارك) في كتاب الزهد والرقائق من حديث سعيد بن عبد العزيز (عن مكحول مرسلا هب) عن عبد الله بن عبد العزيز بن أبي رواد عن أبيه عن نافع (عن ابن عمر) بن الخطاب ورواه عنه القضاعي أيضا، وقال العامري: إنه حسن، وقضية صنيع المصنف أن مخرجه خرجه ساكتا عليه والأمر بخلافه فإنه خرج المرسل أولا ثم هذا ثم قال المرسل أصح اه‍. وذلك لأن في المسند عبد الله بن عبد العزيز بن أبي رواد أورده الذهبي في الضعفاء، وقال: قال أبو حاتم: أحاديثه منكرة، وقال ابن الجنيد:
لا يساوي فلسا وقال العقيلي في الضعفاء: هذا الحديث من منكرات عبد العزيز، وقال ابن طاهر: لا يتابع على رواياته.
9164 - (المؤمنون كرجل واحد إن اشتكى رأسه اشتكى كله وإن اشتكى عينه اشتكى كله) أفاد تعظيم حقوق المسلمين بعضهم على بعض وحثهم على التراحم والتعاضد في غير إثم ولا مكروه ونصرتهم والذب عنهم وإفشاء السلام عليهم وعيادة مرضاهم وشهود جنائزهم وغير ذلك، وفيه مراعاة حق الأصحاب والخدم والجيران والرفقاء في السفر وكل ما تعلق بهم بسبب حتى الهرة والدجاجة ذكره الزمخشري قال ابن عربي: ومع هذا التمثيل فأنزل كل أحد منزلته كما تعامل كل عضو منك بما يليق به وما خلق له فتغض بصرك عن أمر لا يعطيه السمع وتفتح سمعك لشئ لا يعطيه البصر وتصرف يدك في أمر لا يكون لرجلك وكذا جميع قواك فنزل كل عضو منك فيما خلق له وإذا ساويت بين المسلمين فأعط العالم حقه من التعظيم والإصغاء لما يأتي به والجاهل حقه من نذكيره وتنبيهه على طلب العلم والسعادة والغافل حقه بأن توقظه من نوم غفلته بالتذكر لما غفل عنه مما هو عالم له غير
(٣٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 331 332 333 334 335 336 337 338 339 340 341 ... » »»
الفهرست