المضل والظاهر بصفة الضلالة فهما ضدان فلا يظهر أحدهما بصورة الآخر والنبي صلى الله عليه وسلم خلق للهداية فلو ساغ ظهور إبليس بصورته زال الاعتماد عليه فلذلك عصم صورته عن أن يظهر لها شيطان فإن قيل عظمة الحق تعالى لا صورة له معينة توجب الاشتباه بخلاف النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأيضا مقتضى حكمة الحق أن يضل ويهدي من يشاء بخلاف النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فإنه مقيد بالهداية ظاهر بصورتها فتجب عصمة صورته من مظهرية الشيطان اه وقال عياض: لم يختلف العلماء في جواز صحة رؤية الله في النوم وإن رئي على صفة لا يليق بجلاله من صفات الأجسام لتحقق أن المرئي غير ذات الله إذ لا يجوز عليه التجسم ولا اختلاف الحالات بخلاف النبي صلى الله عليه وسلم فكانت رؤيته تعالى في النوم من باب التمثيل والتخييل وقال ابن العربي: في رؤية الله في النوم أوهام وخواطر في القلب بأمثال لا تليق به في الحقيقة ويتعالى عليها وهي دلالات للرائي على أمر كان ويكون كسائر المرئيات وقال غيره: رؤيته تعالى في النوم حق وصدق لا كذب فيها في قول ولا فعل. - (حم خ ت عن أنس) قال الهيثمي: رجال أحمد رجال الصحيح قال المصنف: والحديث متواتر.
8689 - (من رآني) يعني في النوم (فقد رأى الحق) أي الرؤيا الصحيحة الصادقة وهي التي يريها الملك الموكل، يضرب أمثال الرؤية بطريق الحكمة لبشارة أو نذارة أو معاتبة ليكون على بصيرة من أمره وتوفيق من ربه، وأبعد البعض فقال: يمكن أن يراد بالحق هو الله مبالغة تنبيها على من رآه على وجه المحبة والاتباع كأنه رأى الله كقوله من أحبني فقد أحب الله ومن أطاعني فقد أطاع الله اه. وهذا يأباه قوله (فإن الشيطان لا يتزيى بي) بالزاي المعجمة أي لا يظهر في زيي وفي رواية فإن الشيطان لا يتكونني أي لا يتكلف كونا مثل كوني، ذكره الكرماني، وقال غيره: قوله لا يتزيى بي أي لا يستطيع ذلك، يشير إلى أنه تعالى وإن مكنه من التصور في أي صورة أراد فإنه لا يمكنه من التصور في صورة النبي. قال ابن أبي جمرة: الشيطان لا يتصور بصورته أصلا فمن رآه في صورة حسنة فذاك حسن في دين الرائي وإن كان في جارحة من جوارحه شين أو نقص فذلك خلل في دين الرائي قال: هذا هو الحق وقد جرب فوجد كذلك وبه تحصل الفائدة الكبرى في رؤياه حتى يظهر الرائي هل عنده خلل أم لا؟
لأن المصطفى صلى الله عليه وسلم نوراني كالمرآة الصقيلة فما كان في الناظر فيها من حسن أو غيره تصور فيها وهي في ذاتها حسنة لنقص ولا شين فيها وكذا يقال في كلامه في النوم فما وافق سنته فهو حق وما لم يوافقها فخلل في سمع الرائي، قال: ويؤخذ من قوله فإن الشيطان إلخ أن من تمثلت صورة المصطفى صلى الله عليه وسلم في خاطره من أرباب القلوب وتصور له في عالم سره أنه يكلمه أن ذلك يكون حقا بل هو أصدق من مرأى غيرهم لتنوير قلوبهم. - (حم ق عن أبي قتادة) قال الهيثمي: رجال أحمد رجال الصحيح.