فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٦ - الصفحة ١٧٠
حقيقتي كما هي فلم يتحد الشرط والجزاء وهو في معنى الإخبار أي من رآني فأخبره بأن رؤيته حق ليست بأضغاث أحلامية ولا تخيلات شيطانية ثم أردف ذلك بما هو تتميم للمعنى وتعليل للحكم فقال (فإن الشيطان لا يتمثل بي) وفي رواية لمسلم فإن الشيطان لا ينبغي له أن يتشبه بي وفي أخرى له لا ينبغي أن يتمثل في صورتي وفي رواية لغيره لا يتكونني وذلك لئلا يتدرع بالكذب على لسانه في النوم وكما استحال تصوره بصورته يقظة إذ لو وقع اشتبه الحق بالباطل، ومنه أخذ أن جميع الأنبياء كذلك، وظاهر الحديث أن رؤياه صحيحة وإن كان على غير صفته المعروفة وبه صرح النووي مضعفا لتقييد الحكيم الترمذي وعياض وغيرهما بما إذا رآه على صورته المعروفة في حياته وتبعه عليه بعض المحققين ثم قال: فإن قيل كيف يرى على خلاف صورته المعروفة ويراه شخصان في حالة واحدة في مكانين والبدن الواحد لا يكون إلا في مكان واحد؟ قلنا التغيير في صفاته لا في ذاته فتكون ذاته حيث شاء الله وصفاته متخيلة في الأذهان والإدراك لا يشترط فيه تحقق الإبصار ولا قرب المسافة ولا كون المتخيل ظاهرا على الأرض حيا حياة دنيوية وإنما الشرط كونه موجودا اه‍ وما ذكر ملخص من كلام القرطبي حيث قال:
اختلف في معنى الحديث فقال قوم من القاصرين هو على ظاهره فمن رآه في النوم رأى حقيقته كما يرى في اليقظة وهو قول يدرك فساده ببادئ العقل إذ يلزم عليه أن لا يراه أحد إلا على صورته التي مات عليها وأن لا يراه اثنان في وقت واحد في مكانين وأن يحيى الآن ويخرج من قبره ويخاطب الناس ويخلو قبره عنه فيزار غير جثته ويسلم على غائب لأنه يرى ليلا ونهارا على اتصال الأوقات وهذه جهالات لا يتفوه بالتزامها من له أدنى مسكة من عقل وملتزم ذلك مختل مخبول وقال قوم من رآه بصفته فرؤياه حق أو بغيرها فأضغاث أحلام ومعلوم أنه قد يرى على حالة مخالفة ومع ذلك تكون تلك الرؤيا حقا كما لو رؤي قد ملأ بلدا أو دارا بجسمه فإنه يدل على امتلاء تلك البلدة بالحق والشرع وتلك الدار بالبركة وكثيرا ما وقع ذلك قال: والصحيح أن رؤيته على أي حال كان غير باطلة ولا من الأضغاث بل حق في نفسها وتصوير تلك الصورة وتمثيل ذلك المثال ليس من الشيطان بل مثل الله ذلك للرائي بشرى فينبسط للخير أن إنذار فيزجر عن الشر أو تنبيه على خير يحصل وقد ذكرنا أن المرئي في المنام أمثلة المرئيات لا أنفسها غير أن تلك الأمثلة تارة تطابق حقيقة المرئي وتارة لا وأن المطابقة قد تظهر في اليقظة على نحو ما أدرك في النوم، وقد لا، فإذا لم تظهر في اليقظة كذلك فالمقصود بتلك الصورة معناها لا عينها، ولذا خالف المثال [ص 132] صورة المرئي بزيادة أو نقص أو تغير لون أو زيادة عضو أو بعضه فكله تنبيه على معاني تلك الأمور اه‍ وحاصل كلامه أن رؤيته بصفته إدراك لذاته وبغيرها إدراك لمثاله فالأولى لا تحتاج لتعبير والثانية تحتاجه ولسلفنا الصوفية ما يوافق معناه ذلك وإن اختلف اللفظ حيث قالوا هنا ميزان يجب التنبيه له وهو أن الرؤية الصحيحة أن يرى بصورته الثابتة بالنقل الصحيح فإن رآه بغيرها كطويل أو قصير أو شيخ أو شديد السمرة لم يكن رآه وحصول الجزم في نفس الرائي بأنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم غير حجة بل ذلك المرئي صورة الشرع بالنسبة لاعتقاد الرائي أو خياله أو صفته أو حكم من أحكام الإسلام أو بالنسبة للمحل الذي رأى فيه تلك الصورة قال القونوي كابن عربي: وقد جربناه فوجدناه لم ينخرم قالوا والمصطفى صلى الله عليه وسلم وإن ظهر بجميع أسماء الحق وصفاته تخلقا وتحققا فمقتضى رسالته للخلق أن يكون الأظهر فيه حكما وسلطنة من صفات الحق الهداية والاسم الهادي والشيطان مظهر الاسم
(١٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 165 166 167 168 169 170 171 172 173 174 175 ... » »»
الفهرست