فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٥ - الصفحة ٥٥٠
7852 - (ما أوذي أحد ما أوذيت) فقد آذاه قومه أذى لا يحتمل ولا يطاق حتى رموه بالحجارة إلى أن أدموا رجليه [ص 431] فسال منهما الدم على نعليه ونسبوه إلى السحر والكهانة والجنون إلى غير ذلك مما هو مشهور مسطور وكفى بما وقع له في قصة الطائف من الإيذاء، وأخذ الصوفية من هذا أنه يتعين تحمل الأذى من جار أو غيره قالوا: وأما أرباب الأحوال فمعدودون من الضعفاء ملامون على تأثيرهم بالحال في الجار وغيره إذا أذاهم فالأقوياء الكاملون لا يفعلون ذلك ولا يلتفتون لقول العامة ليس عندنا شيخ إلا من يؤثر في الناس بحاله ويصعد من سرق متاعه أو ستر ضريحه بعد موته وغاب عنهم أن القوي بشهادة حال الشارع وقاله هو من يتحمل الأذى ولا يقابل عليه وإن فحش فالكامل عند القوم هو الذي يحمل الأذى ويضربونه ويحتقرونه ولا يتأثر، قال شيخنا الشعراوي: ووقع لصاحبنا أحمد الكعكي أن جيرانه آذوه فتوجه فيهم فصار بيتهم كله دودا وما فيه من ماء وطعام يغلي دودا فرحلوا فقلت له:
الفقراء تحتمل فقال: ذلك خاص بالأبدال منكم وأما نحن فمذهبنا عدم الاحتمال لئلا يتمادى الناس في إيذاء بعضهم بعضا. - (عبد بن حميد وابن عساكر) في تاريخه (عن جابر) بن عبد الله قال ابن حجر: هذا الحديث رواه ابن عدي في ترجمة يوسف بن محمد بن المنكدر عن أبيه عن جابر ويوسف ضعيف فالحديث ضعيف.
7853 - (ما أوذي أحد ما أوذيت في الله) أي في مرضاته أو من جهته وبسببه حيث دعوت الناس إلى إفراده بالعبادة ونهيت عن إثباتهم الشريك وذلك من أعظم اللطف به وكمال العناية الربانية به ليتضاعف له الترقي في نهايات المقامات. قال ابن عطاء الله: إنما جرى الأذى على أصفيائه لئلا يكون لأحد منهم ركونا إلى الخلق غيرة منه عليهم وليزعجهم عن كل شئ حتى لا يشغلهم عنه شئ وقال ابن حجر: هذا الحديث قد استشكل بما جاء من صفات ما أوذي به الصحابة من التعذيب الشديد وهو محمول لو ثبت على معنى حديث أنس المار لقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد وقيل معناه أنه أوحى إليه ما أوذي به من قبله فتأذى بذلك زيادة على ما آذاه قومه به وروى ابن إسحاق عن ابن عباس والله إن كانوا يضربون أحدهم ويجيعونه ويعطشونه حتى ما يقدر أن يستوي جالسا من شدة الضر حتى يقولوا له اللات والعزى إلهك من دون الله فيقول أحد أحد وروى ابن ماجة وابن حبان عن ابن مسعود أول من أظهر إسلامه سبعة: رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعمار وأمه وصهيب وبلال والمقداد، فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعه الله بعمه وأما أبو بكر بقومه وأما سائرهم فأخذهم المشركون فألبسوهم أدرع الحديد وأوثقوهم في الشمس اه‍، وأجيب بأن جميع ما أوذي به أصحابه كان يتأذى هو به لكونه بسببه واستشكل أيضا بما أوذي به الأنبياء من القتل كما في قصة زكريا وولده يحيى، وأجيب بأن المراد هنا غير إزهاق الروح، وقال بعضهم: البلاء تابع لكثرة الأتباع وهو أكثر الأنبياء اتباعا وغيره من الأنبياء وإن ابتلي بأنواع من البلاء لكن ما أوذي به أكثر لأنه كما أكمل له الدين أكمل له الابتلاء لإرساله إلى الكافة لكن لما كان مقامه في العلو يسمو على مقام غيره لم يظهر على ذاته كبير أمر، فمعنى قوله
(٥٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 545 546 547 548 549 550 551 552 553 554 555 ... » »»
الفهرست