عليه العهد والميثاق في العبودية له فما نقص من وفاء العبودية صارت الأرض عليه واجدة فإذا وجدته في بطنها ضمته ضمة ثم تدركه الرحمة فترحب به وعلى قدر سرعة مجئ الرحمة يتخلص من الضمة فإن كان محسنا فإن رحمة الله قريب من المحسنين فإذا كانت الرحمة قريبة من المحسنين لم يكن الضم كثيرا وإذا كان خارجا من حد المحسنين لبث حتى تدركه الرحمة ولا ينافيه اهتزاز العرض لموته لأن دون البعث زلازل وأهوال لا يسلم منها ولي ولا غيره * (ثم ننجي الذين اتقوا) * ولهذا قال عمر: لو كان لي طلاع الأرض ذهبا لافتديت به [ص 333] من هول المطلع وفي الحديث إشارة إلى أن جميع ما يحصل للمؤمن من أنواع البلايا حتى في أول منازل الآخرة وهو القبر وعذابه وأهواله لما اقتضته الحكمة الإلهية من التطهيرات ورفع الدرجات ألا ترى أن البلاء يخمد النفس ويذلها ويدهشها عن طلب حظوظها ولو لم يكن في البلاء إلا وجود الذلة لكفى إذ مع الذلة تكون النصرة. (تنبيه) قد أفاد الخبر أن ضغطة القبر لا ينجو منها أحد صالح ولا غيره لكن خص منه الأنبياء كما ذكره المؤلف في الخصائص وفي تذكرة القرطبي يستثنى فاطمة بنت أسد ببركة النبي صلى الله عليه وسلم وفيها أيضا ذكر بعضهم أن القبر الذي غرس عليه النبي صلى الله عليه وسلم العسيب قبر سعد قال: وهذا باطل وإنما صح أن القبر ضغطه كما ذكر ثم فرج عنه قال: وكان سببه ما روى يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق حدثني أمية بن عبد الله أنه سأل بعض أهل سعة ما بلغكم في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا قالوا: ذكر لنا أنه سئل عنه فقال: كان يقصر في بعض الطهور من البول وذكر هناد بن السري حديثا طويلا عنه أنه ضم في القبر ضمة حتى صار مثل الشعرة فدعوت الله أن يرفعه عنه إنه كان لا يستبرئ في أسفاره من البول. وقال السلمي: أما الأخبار في عذاب القبر فبالغة مبلغ الاستفاضة منها قوله صلى الله عليه وسلم في سعد بن معاذ لقد ضغطته الأرض ضغطة اختلفت لها ضلوعه قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ننقم من أمره شيئا إلا أنه كان لا يستبرئ في أسفاره من البول هكذا ذكره القرطبي عنه ثم قال: فقوله صلى الله عليه وسلم ثم خرج عنه دليل على أنه جوزي على ذلك التقصير لا أنه يعذب بعد ذلك في قبره هذا لا يقوله إلا شاك في فضيلته وفضلة ونصيحته وصحبته أترى من اهتز له عرش الرحمن كيف يعذب في قبره بعد ما فرج عنه؟ هيهات لا يظن ذلك إلا جاهل بحقه غبي بفضيلته وفضله اه.
وأخرج الحكيم عن جابر بن عبد الله قال: لما توفي سعد بن معاذ ووضع في حفرته سبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم كبر وكبر القوم معه فقالوا: يا رسول الله لم سبحت قال: هذا العبد الصالح لقد تضايق عليه قبره حتى فرجه الله عنه فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: كان يقصر في بعض الطهور من البول اه بحروفه. قال الحكيم: فإن قيل الذي يهتز العرش لموته كيف يضيق عليه قلنا هذا خبر صحيح وذاك صحيح وإنما سبب ضم القبر أنه كان يقصر في بعض الطهور فكان القوم لا يستنجون بالماء بل بالأحجار فلما نزل فيه * (رجال يحبون أن يتطهروا) * ففشا فيهم الطهور بالماء فمنهم من استنجى بالماء ومنهم من استمر على الحجر فأهل الاستقامة يردون اللحود وقد يكون فيهم خصلة عليهم فيها تقصير فيردون اللحد مع ذلك التقصير غير نازعين عنه وليس ذلك بذنب ولا خطيئة فيعاتبون في قبورهم عليه فتلك الضمة نالت سعدا مع عظيم قدره لكونه عوتب في القبر بذلك التقصير فضم عليه ثم فرج ليلقى الله وقد حط عنه دنس ذلك التقصير مع كونه غير حرام ولا مكروه. - (طب عن ابن عباس) قال الهيثمي: رجاله موثقون.