فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٥ - الصفحة ٣٩٦
النورانية في وقت واحد فإذا رجعوا إلى مواطن أجسامهم ومراكز حسهم نقص ذلك وهو بالحقيقة لم ينقص بل أخذ كل منهم ما رجع به إلى عالمه لكن لما كان الحسن أغلب في الرجعة إلى الأهل كان الحكم غالبا في الظاهر لا الباطن ألا ترى أنهم إذا حضروا ثانيا تذكروا ما بطن عنهم بزيادة الفهم عن الله. - (ع) وكذا البزار (عن أنس) قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير غسان بن مرو وهو ثقة وفي الحديث قصة طويلة وهذا رواه مسلم بلفظ والذي نفسي بيده لو لم تدومون على ما تكونون عندي لمصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم.
7420 - (لو أنكم توكلون على الله حق توكله) بأن تعلموا يقينا أن لا فاعل إلا الله وأن كل موجود من خلق ورزق وعطاء ومنع من الله تعالى ثم تسعون في الطلب على الوجه الجميل والتوكل إظهار العجز والاعتماد على المتوكل عليه (لرزقكم كما ترزق) بمثناة فوقية مضمومة أوله بضبط المصنف (الطير) زاد في رواية في جو السماء (تغدو خماصا) أي ضامرة البطون من الجوع جمع خميص أي جائع (وتروح) أي ترجع آخر النهار (بطانا) أي ممتلئة البطون جمع بطين أي شبعان أي تفدو بكرة وهي جياع وتروح عشاءا وهي ممتلئة الأجواف أرشد بها إلى ترك الأسباب الدنيوية والاشتغال بالأعمال الأخروية ثقة بالله وبكفايته فإن احتج من غلب عليه الشغف بالأسباب بأن طيران الطائر سبب في رزقه فجوابه أن الهواء لا حب فيه يلقط ولا جهة تقصد ألا ترى أنه ينزل في مواضع شتى لا شئ فيها فلا عقل له يدرك به فدل على أن طيرانه في الهواء ليس من باب طلب الرزق بل هو من باب حركة يد المرتعش لا حكم لها فيتردد في الهواء حتى يؤتى برزقه أو يؤتى به إلى رزقه هذا الذي يتعين حمل طيران الطائر عليه أعني أنه لا حكم له في الرزق ولا ينسب إليه لأن المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم سماه متوكلا مع طيرانه ولذلك مثل به والمكلف العاقل أولى بالتوكل منه سيما من دخل إلى باب الاشتغال بأفضل الأعمال بعد الإيمان وهو طلب العلم كذا قرره ابن الحاج وهو أوجه من قول البعض الحديث مسوق للتنبيه على أن الكسب ليس برازق بل الرازق هو الله تعالى لا للمنع عن الكسب * (فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه) * وقال الحرالي: الطير اسم جمع من معنى ما فيه الطيران وهو الخفة من ثقل ما ليس من شأنه أن يعلو في الهواء مثل بالطير لأن الأركان المجتمعة في الأبدان طوائر تطير إلى أوكارها ومراكزها فأخبر بأن الرزق في التوكل على الله لا بالحيل ولا العلاج قال الداراني: كل الأحوال لها وجه وقفا إلا التوكل فإنه وجه بلا قفا يعني هو إقبال على الله من كل الوجوه وثقة به وفيه أن المؤمن ينبغي أن لا يقصد لرزقه جهة معينة إذ ليس للطائر جهة معينة ومراتب الناس فيه مختلفة وما أحسن ما قال شيخ الإسلام الصابوني:
توكل على الرحمن في كل حاجة * أردت فإن الله يقضي ويقدر متى ما يرد ذو العرش أمرا بعبده * يصبه وما للعبد ما يتخير وقد يهلك الإنسان من رجه أمنه * وينجو بإذن الله من حيث يحذر
(٣٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 391 392 393 394 395 396 397 398 399 400 401 ... » »»
الفهرست