فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٥ - الصفحة ١٠١
الماء) أي يسيل ويمر سريعا إذا صب عليهما لاصطحابهما (إذا زال) أي النبي صلى الله عليه وسلم (زال تقلعا) أي إذا ذهب وفارق مكانه رفع رجليه رفعا بائنا متداركا إحداهما بالأخرى مشية أهل الجلادة فتقلعا حال أو مصدر منصوب أي ذهاب قلع والقلع في الأصل انتزاع الشئ من أصله أو تحويله عن محله وكلاهما يصلح أن يراد هنا أي ينزع رجله عن الأرض أو يحولها بقوة (ويخطو) يمشي (تكفؤا) بالهمز وتركه أي تمايل إلى قدام من قولهم كفأت الإناء إذا قلبته أو إلى يمين وشمال ويؤيد الأول قوله الآتي كأنما ينحط (ويمشي) تفتن حيث عبر عن المشي بعبارتين فرارا من كراهة تكرار اللفظ (هونا) بفتح فسكون أي حال كونه هينا أو هو صفة لمصدر محذوف أي مشيا هينا بلين ورفق والهون الرفق (ذريع) كسريع وزنا ومعنى (المشية) بكسر الميم أي سريعها مع سعة الخطوة فمع كون مشيه بسكينة كان يمد خطوته حتى كأن الأرض تطوى له (إذا مشى كأنما ينحط من صبب) أي منحدر من الأرض وأصله النزول من علو إلى سفل ومنه صببت الماء والمراد التشبيه بالمنحدر من علو إلى سفل بحيث لا إسراع ولا إبطاء. وخير الأمور أوساطها. قال بعضهم: والمشيات عشرة أنواع هذه أعدلها وبما تقرر يعرف أنه لا تعارض بين الهون الذي هو عدم العجلة وبين الانحدار والتقلع الذي هو السرعة فمعنى الهون الذي لا يعجل في مشيته ولا يسعى عن قصد إلا لحادث أمر مهم، وأما الانحدار والقلع فمشيه الخلقي (وإذا التفت التفت جميعا) وفي رواية جمعا كضربا أي شيئا واحدا فلا يسارق النظر ولا يلوي عنقه كالطائش الخفيف بل كان يقبل ويدبر جميعا. قال القرطبي: ينبغي أن يخص بالفتاته وراءه أما التفاته يمنة أو يسرة فبعنقه (خافض) من الخفض ضد الرفع (الطرف) أي البصر يعني إذا نظر إلى شئ خفض بصره تواضعا وحياءا من ربه وذلك هو شأن المتأمل المتفكر المشتغل بربه ثم أردف ذلك بما هو كالتفسير له فقال (نظره إلى الأرض) حال السكوت وعدم التحدث (أطول من نظره إلى السماء) لأنه كان دائم المراقبة متواصل الفكر فنظره إليها ربما فرق فكره ومزق خشوعه ولأن نظر النفوس إلى ما تحتها أسبق لها من نظرها إلى ما علا عليها أما في غير حال السكوت والسكون فكان ربما نظر إلى السماء بل جاء في أبى داود وكان إذا جلس يتحدث يكثر أن يرفع طرفه إلى السماء وهذا كله في غير الصلاة، أما فيها فكان ينظر إليها أولا، فلما نزلت * (والذين هم في صلاتهم خاشعون) * أطرق.
(فائدة) رأيت بخط الحافظ مغلطاي أن ابن طغر ذكر أن عليا أتاه راهب بكتاب ورثه عن آبائه كتبه أصحاب المسيح فإذا فيه: الحمد لله الذي قضى فيما قضى وسطر فيما سطر أنه باعث في الأميين رسولا لا فظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح. أمته الحمادون نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى المساء (جل نظره) بضم الجيم أي معظمه وأكثر (الملاحظة) مفاعلة من اللحظ أي النظر بشق العين مما يلي الصدغ أراد به هنا أنه كان أكثر نظره في حال الخطاب الملاحظة وكثرة الفكر فلا يعارض قوله إذا التفت التفت جميعا (يسوق أصحابه) أي يقدمهم
(١٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 96 97 98 99 100 101 102 103 104 105 106 ... » »»
الفهرست