فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٣ - الصفحة ٤٣٩
بعث النبي صلى الله عليه وسلم فهم مؤمنون ولهم أجر واحد وقسم أدركوا بعثته ودعاهم فلم يؤمنوا به فهم كفار وقسم آمنوا به فلهم أجران والحديث فيهم (وعبد مملوك) وصفه به لأن جميع الناس عباد الله فأراد تمييزه بكونه مملوكا للناس (أدى حق الله) من صلاة ونحوها (وحق سيده) بأن خدمه ونصح جهده له لأن من اجتمع عليه فرضان فأداهما ليس كمن عليه فرض واحد فأداه وفي رواية البخاري بدل سيده مواليه وعليه فإنما لم يقل مولاه لأن المراد من العبد جنس العبد حتى يكون عند التوزيع لكل عبد مولى لأن مقابلة الجمع بالجمع أو ما يقوم مقامه مفيدة للتوزيع أو أراد أن استحقاق الأجرين إنما هو عند أداء جميع حق مواليه لو كان مشتركا (فله أجران) أجر تأديته للعبادة وأجر نصحه وإحسانه وكرره لطول الكلام اهتماما والمراد أن له أجران من هذه الجهة وقد يكون لسيده جهات أخر يستحق بها أضعاف ذلك (ورجل كانت له أمة) يطؤها بملك اليمين وفي رواية الترمذي له جارية وضيئة قال العراقي: ليس في الكتب الستة وصفها بالوضاءة إلا فيه وفي كونها شرط لحصول الأجر الموعود بحث والمراد بقوله يطؤها يحل له وطؤها وإن لم يطأها (فغذاها) بتخفيف الذال المعجمة (فأحسن غذاءها) بالمد (ثم أدبها) بأن راضها بحسن الأخلاق وحملها على جميل الخصال (فأحسن تأديبها) بأن استعمل فيه الرفق والتلطف والتأني من غير ضرب ولا عنف (وعلمها) ما يتعين عليها من أحكام الدين وما يتيسر من مندوباته ومطلوباته (فأحسن تعليمها) بأن استعمل معها ما ندبوا إليه من اتصاف المعلم به من نحو حسن خلق ورفق في ضرب وغاير بين التأديب والتعليم مع أنه قد يدخل فيه لأن الأول عرفي والثاني شرعي والأول دنيوي والثاني أخروي (ثم أعتقها) عبر فيما قبله بالفاء وفيه بثم لأن التعليم والتأديب يتعاقبان على الوطء بل لا بد منهما فيه بل قبله لتعينهما على السيد بعد التمليك بخلاف الإعتاق (وتزوجها) بعد أن أصدقها، قرن العتق بالتزويج لما فيه من قمع الكبر وإذلال النفس وترك التعاظم إن لم يكتف سيدها بعتقها حتى تزوجها ولم يتزوج ذات شرف وأصالة ومال (فله أجران) أحدهما في مقابل تعليمها وتأديبها والثاني لاعتاقها وتزوجها أو أحدهما لاعتاقها والثاني لتزوجها وكما كانت جهة الأجر فيه متعددة ومظنة الاستحقاق أكثر من ذلك أعاد قوله فله أجران وخص هذه الثلاثة بالأجرين مع ثبوت مثله لغيرهم كأزواج المصطفى صلى الله عليه وسلم وكولد أدى حق الله وحق أبيه لأن الفاعل في كل منهما جامع بين أمرين بينهما مخالفة عظيمة فكان العامل لهما فاعل الضدين عامل بالمتنافيين بخلاف غيره وهذا أقعد من جواب البلقيني بأن قضيتهن خاصة بهن مقصورة عليهن فإن قيل ينبغي أن يكون للأخير أربعة أجور للتأديب والتعليم والإعتاق والتزويج قلنا لم يعتبر فيهما إلا الأجرين الأخيرين اللذين هما كالمتنافيين كأخواته وإن تميز بغيرهما ولهذا ميز بينهما على الأمرين الذين بلفظ ثم دون غيره وفيه ندب تأديب الأمة والزوجة وليس لك أن تقول ليس فيه إلا الأمة لأنه من التنبيه بالأدنى على الأعلى (حم ق ت ن ه عن أبي موسى).
(٤٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 434 435 436 437 438 439 440 441 442 443 444 ... » »»
الفهرست