فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٣ - الصفحة ١٤١
تكتب آثاركم (وانتظار الصلاة بعد الصلاة) سواء أدى الصلاة بجماعة أو منفردا في مسجد أو في بيته وقيل: أراد به الإعتكاف (فذلكم الرباط) أي المرابطة يعني العمل المذكور هو المرابطة لمنعه لاتباع الشهوات فيكون جهادا أكبر أو المراد أنه أفضل أنواع الرباط كما يقال جهاد النفس هو الجهاد أي أفضل أو المراد أنه الرباط الممكن المتيسر ذكر ذلك جمع، وأصله قول البيضاوي: المرابطة ملازمة العدو مأخوذة من الربط وهو الشد والمعنى هذه الأعمال هي المرابطة الحقيقية لأنها تسد طرق الشيطان إلى النفس وتقهر الهوى وتمنعها عن قول الوساوس واتباع الشهوات فيغلب بها جنود الله حزب الشيطان وذلك هو الجهاد الأكبر، إذ الحكمة في شرع الجهاد تكميل الناقصين ومنعهم عن الفساد والإغراء، قال الطيبي: فيما ذكر معنى حديث رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر فإتيانه باسم الإشارة الدالة على بعد منزلة المشار إليه في مقام العظيم وإيقاع الرباط المحلى بلام الجنس خبرا لاسم الإشارة كما في قوله تعالى * (ألم ذلك الكتاب) * إذ التعريف في الخبر للجنس ولما أريد تقرير ذلك مزيد تقرير واهتمام بشأنه كرره فقال: (فذلكم الرباط فذلكم الرباط) كرره اهتماما به وتعظيما لشأنه وتخصيصها بالثلاث لأن الأعمال المذكورة في الحديث ثلاث وأتى باسم الإشارة إشارة إلى تعظيمه بالبعد وقيل: أراد ثوابه كثواب الرباط. وقال العارف ابن عربي: الرباط الملازمة من ربطت الشئ وبالانتظار ألزم نفسه فربط الصلاة بالصلاة المنتظرة بمراقبة دخول وقتها ليؤديها فيه وأي لزوم أعظم من هذا فإنه يوم واحد مقسم على خمس صلوات ما منها صلوات يؤديها فيفرغ من أدائها إلا وقد ألزم نفسه مراقبة دخول وقت الأخرى إلى وقت فراغ اليوم وثاني يوم آخر فلا يزال كذلك فما ثم زمان إلا يكون فيه مراقبا لوقت أداء صلاة فلذلك أكده بقوله ثلاثا فانظر إلى علم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأمور حيث أنزل كل عمل في الدنيا منزلة في الآخرة وعين حكمه وأعطاه حقه فذكر وضوءا ومشيا وانتظارا وذكر محوا ورفع درجة ورباطا ثلاثا لثلاث هذا يدلك على شهوده ومواضع حكمه ومن هنا وأمثاله قال عن نفسه إنه أوتي جوامع الكلم. قال في المطامح: وهذه الخصال هي التي اختصم فيها الملأ الأعلى كما في خبر الترمذي: أتاني ربي في أحسن صورة فوضع يده بين كتفي. الحديث.
(مالك حم م ت ن عن أبي هريرة) ورواه عند الشافعي أيضا.
2874 (ألا أدلكم على أشدكم) قالوا: بلى قال: (أملككم لنفسه عند الغضب) لأن من لم يملكها عنده كان في قهر الشيطان وتحت أسره فهو ذليل ضعيف ومن راض نفسه بتجنب أسباب الغضب ومرنها على ما يوجب حسن الخلق وكظم الغيظ وطلاقة الوجه والبشر فقد ملك نفسه وصار الشيطان في أسره وتحت أمره (طب في) كتاب (مكارم الأخلاق عن أنس) قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بقوم يرفعون حجرا
(١٤١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 136 137 138 139 140 141 142 143 144 145 146 ... » »»
الفهرست