الغزالي جوهر محدث قائم بنفسه غير متحيز وأنه ليس داخل الجسم ولا خارجا عنه ولا متصلا ولا منفصلا لعدم التحيز الذي هو شرط الكون في الجهات واعترض بأنه يلزم خلو الشئ عن الشئ وضده وتركب الباري لأنه إذا كان غير متحيز كان مجردا فشارك الباري في التجرد وامتاز عنه بغيره والتركب على الله محال وبأنه متناقض لأنه جعله الله من عالم الأمر لا من عالم الخلق محتجا بقوله: * (قل الروح من أمر ربي) * وإذا لم يكن مخلوقا لم يكن محدثا وقد قال إنه محدث وأجيب عن الأول بأن الشئ يجوز أن يخلو من الضدين إذا كان كل منهما مشروطا بشرط فإنه إذا انعدم الشرط انعدم المشروط كما يقال في الجماد لا عالم ولا جاهل لأن الشرط الصحيح لقيام العالم أو ضده بالجسم هو الحياة وقد انتفت في الجماد فكذا شرط الدخول والخروج في الاتصال والانفصال هو التحيز إذا لم يكن الجوهر متحيزا لا يتصف بشئ من ذلك وعن الثاني بأن الاشتراك في العوارض لا يوجب التركب سيما في السلب وعن الثالث بأن مقصوده ليس نفي كونه مخلوقا بل اطلع على تسميته كل ما صدر عن الله تعالى بلا واسطة الأمر العزيز بعالم الأمر وعلى تسمية كل ما صدر عنه تعالى عن سبب متقدم من غير خطاب بالأمر الذي هو الكلمة بعالم الخلق الإله الخالق والأمر فلا مشاحة في ذلك (ويؤمر) بالبناء للمفعول أي يأمر الله الملك (بأربع كلمات) أي بكتابة أربع قضايا مقدرة وكل قضية تسمى كلمة قولا كان أو فعلا وهو عطف على قوله علقة لا على ينفخ وإلا لزم كون الكتابة في الأربعين الثالثة وليس مرادا كما يشير إليه خبر مسلم (ويقال له) أي يقول الله للملك (اكتب) أي بين عينيه كما في خبر البزار (أجله) أي مدة حياته (ورزقه) كما وكيفا حراما وحلالا (وعمله) كثيرا أو قليلا وصالحا أو فاسدا (وشقي) وهو من استوجب النار (أو سعيد) من استوجب الجنة حيثما اقتضته الحكمة وسبقت به الكلمة وقدم الشقي لأنه أكثر ذكره الطيبي قال القاضي وكان الظاهر أن يقول وشقاوته وسعادته ليناسب ما قبله فعدل، عنه حكاية لصورة ما يكتبه الملك قال الطيبي حق الظاهر أن يقال يكتب شقاوته وسعادته قعدل إما حكاية لصورة ما يكتب لأنه يكتب شقي أو سعيد فعدل لأن الكلام مسوق إليهما والتفصيل وارد عليهما والحاصل أنه ينقش فيه ما يليق من الأعمال والأرزاق حسبما اقتضته حكمته وسبقت به كلمته فمن وجده مستعدا لقبول الحق واتباعه ورآه أهلا للخير وأسباب الصلاح متوجهة إليه أثبته في عداد السعداء وكتب له أعمالا صالحة تناسب ذلك ومن وجده جافيا قاسي القلب ضاريا بالطبع منائيا عن الحق أثبت ذكره في ديوان الأشقياء الهالكين وكتب له ما يتوقع فيه من الشرور والمعاصي هذا إذا لم يعلم من حاله وقوع ما يقتضي تغير ذلك وإلا كتب له أواخر أمره وحكم عليه بوفق ما يتم به عمله فإن ملاك العمل خواتمه ذكره القاضي وقوله ثم يقال له وفي رواية ثم يؤمر قال ابن العربي هذه هي القاعدة العظمى لأنه لو أخبر فقال أجله كذا ورزقه كذا وهو شقي أو سعيد ما تغير خبره أبدا لأن خبر الله يستحيل أن يوجد بخلاف مخبره لوجوب الصدق له لكنه يأمر بذلك كله ولله أن ينسخ أمره ويقلب ويصرف العباد فيه من وجه إلى وجه فافهمه فإنه نفيس وفيه يقع المحو والتبديل أما في الخبر فلا أبدا (ثم ينفخ فيه الروح) بعد تمام صورته (فوالذي) في رواية فوالله الذي (لا إله غيره)
(٥٢٥)