فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٢ - الصفحة ٥٢٨
وصارت أموالهم أحسابا لهم يفتخرون بها ويحتسبون بكثرتها عوضا عن افتخاره وعن الأحساب بأحسابهم وأعرضوا عن الافتخار بنسب المتقين (الذين يذهبون إليه هذا المال) قال الحافظ العراقي كذا وقع في أصلنا من مسند أحمد الذين وصوابه الذي وكذا رواه النسائي كغيره والوجه إن أحساب أهل الدنيا الذين يذهبون إليها فيؤتى بوصف الأحساب مؤنثا لأن الجموع مؤنثة وكأنه روعي في التذكير المعنى دون اللفظ وأما الدين فلا يظهر وجهه إذ ليس وصفا لأهل الدنيا بل لأحسابهم إلا أن يكون اكتسبه بالمجاورة ثم الحديث يحتمل كونه خرج مخرج الذم لأن الأحساب إنما هي بالأنساب لا بالمال فصاحب النسب العالي هو الحسيب ولو فقيرا ووضيع النسب غير حسيب وإن أثرى وكثر ماله جدا وكونه خرج مخرج التقرير له والإعلام بصحته وإن تفاخر المرء بآباء انقرضوا مع فقره لا يحصل له حسب وإنما حسبه وشرفه بماله فهو الرافع لشأنه في الدنيا ويتخرج على ذلك اعتبار المال في الكفاءة وعدمه إلى هنا كلامه. وقال ابن حجر يحتمل أن يكون المراد بالحديث أنه حسب من لا حسب له فيقوم النسب الشريف لصاحبه مقام المال لمن لا نسب له (حم ن ك حب عن بريدة) قال الحاكم صحيح على شرطهما وأقره الذهبي وصححه ابن حبان.
2183 - (إن أحسن الحسن الخلق الحسن) أي السجية الحميدة التي تورث الاتصاف بالملكات الفاضلة مع طلاقة وجه وانبعاث نفس والملاطفة إذ به ائتلاف القلوب واتفاق الكلمة وانتظام الأحوال وملاك الأمر (تنبيه) في المواهب: الخلق أي الحميد ملكة نفسانية يسهل على المتصف بها الإتيان بالأفعال الحميدة والسجايا المرضية المدركة بالبصيرة لا بالبصر وفي الرسالة العضدية الخلق أي من حيث هو الشامل للحميد وغيره ملكة تصدر عنها الأفعال النفسانية بسهولة من غير روية قال ويمكن تغييره لدلالة الشرع واتفاق العقلاء على إمكانه وقال الغزالي في الميزان وتبعه زروق في قواعد الشريعة والحقيقة الخلق هيئة راسخة في النفس تنشأ عنها الأمور بسهولة فحسنها حسن وقبيحها قبيح، وقال ابن سينا في كتاب تهذيب الأخلاق الخلق حال للنفس داعية إلى أفعالها من غير فكر ولا روية وتنقسم هذه الحال إلى قسمين قسم من أصل المزاج كالحال التي بسببها يجبن الإنسان من أقل شئ كالفزع من صوت يطرق سمعه أو من خبر يسمعه وكالحال التي بسببها يضحك كثيرا من أدنى عجب أو يغتم أو يحزن من أيسر شئ وقسم مستفاد من التدبر والعادة وربما كان مبدؤه بروية وفكر ثم يستمر حتى يصير ملكة وخلقا قال: وقال قوم ليس شئ من الأخلاق طبيعيا وإنما ينتقل إليه بالتأدب والمواعظ سريعا أو بطيئا وقال قوم منه غريزي ومنه مكتسب وهو كذلك (تنبيه) قال الغزالي: جمع بعضهم علامات حسن الخلق فقال: أن يكون كثير الحياء، قليل الأذى، كثير الصلاح، صدوق اللسان، قليل الكلام، كثير العمل، قليل الزلل، قليل الفضول، بر وصول، وقور صبور، شكور حليم، رفيق، عفيف، شفيق، لا لعان، ولا سباب، ولا نمام، ولا مغتاب، ولا عجول، ولا حقود، ولا بخيل، ولا حسود (المستغفري) أبو العباس (في مسلسلاته) أي في أحاديثه المسلسلة (وابن عساكر) في تاريخه
(٥٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 523 524 525 526 527 528 529 530 531 532 533 ... » »»