فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٢ - الصفحة ٤١٦
ونهيهم عن المنكر برفق وشفقة ونحو ذلك فبدأ أولا بالله لان الدين له حقيقة وثنى بكتابه الصادع ببيان أحكامه المعجز ببديع نظامه وثلث بما يتلو كلامه في الرتبة وهو رسوله الهادي لدينه الموقف على أحكامه المفصل لجمل شريعته وربع بأولي الامر الذين هم خلفاء الأنبياء القائمون بسنتهم ثم خمس بالتعميم. (تنبيه) قال ابن عربي: إذا عرف من شخص المخالفة واللجاج وأنه إذا دله على أمر فيه نصيحته عمل بخلافه فالنصح عدم النصح بل يشير عليه بخلاف ذلك فيخالفه فيفعل ما ينبغي قال وهذه نصيحة لا يشعر بها كل أحد وهي تسمى علم السياسة فإنه يسوس به النفوس الجموحة الشاردة عن طريق مصالحها، قال فمن ثم قلنا إن الناصح في دين الله يحتاج إلى علم وعقل وفكر صحيح وروية حسنة واعتدال مزاج وتؤدة فإن لم يكن فيه هذه الخصال فالخطأ أسرع إليه من الإصابة وما في المكارم الأخلاق أدق ولا أخفى ولا أعظم من النصيحة (1) (حم م) في الايمان (د) في الأدب (ن) في البيعة كلهم (عن تميم) بن أوس (الداري) نسبة إلى الدار ابن هانئ بطن من لحم كان نصرانيا فوفد على النبي (ص) وأسلم وكان صاحب ليل وقرآن قال أنس اشترى حلة بألف يخرج فيها إلى الصلاة وهو أول من قص بإذن عمر (ت ن عن أبي هريرة حم عن ابن عباس) قالوا هذا الحديث وإن أوجز لفظا اطنب معنى لان سائر الأحكام داخلة تحت كلمة منه وهي لكتابه لاشتماله على أمور الدين أصلا وفرعا وعملا واعتقادا فمن آمن به وعمل بمضمونه جمع الشريعة بأسره * (ما فرطنا في الكتاب من شئ) * [الانعام: 38] ولم يوفه حقه من جعله ربع الاسلام بل هو الكل.
1969 - (إن الدين) بكسر الدال (يسر) أي دين الاسلام ذو يسر نقيض العسر أو هو يسر مبالغة لشدة اليسر وكثرته كأنه نفسه بالنسبة للأديان قبله لرفع الإصر عن هذه الأمة (ولن يشاد) أي يقاوم

(1) وإذا رأى من يفسد صلاته ووضوءه أو غير ذلك ولم يعلمه فقد غشه وعليه الإثم قال الشرخبيتي في شرح الأربعين سواء كان هناك غيره يقوم بذلك أم لا وقد ذكر الخطابي ذلك فقال اختلف إذا كان هناك من يشارك في النصيحة فهل يجب عليك النصيحة سواء طلبت منك أم لا كمن رأيته يفسد صلاته فقال الغزالي يجب عليك النصح وقال ابن العربي لا يجب والأول هو المرجح عند الأكثر وتسن أن تكون النصيحة باللين والرفق قال الشافعي رضي الله تعالى عنه من وعظ أخاه سرا فقد نصحه ومن وعظه علانية فقد فضحه وشأنه وقال الفضيل المؤمن يستر وينصح والفاجر يهتك ويعير وقد حكى أن الحسن والحسين رضي الله عنهما وعن والديهما وعلى جدهما أفضل الصلاة وأتم التسليم مرا بشخص يفسد وضوءه فقال أحدهما لأخيه تعال نرشد هذا الشيخ فقالا يا شيخ إنا نريد أن نتوضأ بين يديك حتى تنظر إلينا وتعلم من يحسن منا الوضوء ومن لا يحسنه ففعلا ذلك فلما فرغا من وضوئهما قال أنا والله الذي لا أحسن الوضوء وأما أنتما فكل واحد منكما يحسن وضوءه، فانتفع بذلك منهما من غير تعنت ولا توبيخ.
(٤١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 411 412 413 414 415 416 417 418 419 420 421 ... » »»