فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٢ - الصفحة ٣٠٣
(كريم يحب الكرم) أي في حياته لا البخل في حياته الكريم عند موته بدليل الخبر المار وقوله (جواد) بالتخفيف (يحب الجود) عطف خاص على عام (نظيف) أي منزه عن سمات الحدوث متعال في ذاته عن كل نقص (يحب النظافة) أي نظافة الباطن بخلوص العقيدة ونفي الشرك ومجانبة الهوى والأمراض القلبية من نحو غل وحقد وحسد وغيرهما ومجانبة كل مطعم وكل مشرب وكل ملبس من حرام وشبهة، ونظافة الظاهر بترك الأدناس وملابسة العبادات ومفهومه أنه يبغض ضد ذلك وبه صرح في الخبر الآتي بقوله إن الله يبغض الوسخ الشعث ولا ينافيه خبر إن الله يحب المؤمن المبتذل الذي لا يبالي ما لبس إذ لا يلزم من كون الثوب خشنا أو باليا أن يكون وسخا، فالمنهي عنه إنما هو التزين والتصنع والتغالي في اللباس (فنظفوا) ندبا (أفنيتكم) جمع فناء وهو الفضاء أمام الدار. قال الطيبي الفاء فيه جواب شرط محذوف أي إذا تقرر ذلك فطيبوا كل ما أمكن تطييبه ونظفوا كل ما سهل لكم تنظيفه حتى أفنية الدار وهي ما أمام الدار وهو كناية عن نهاية الكرم والجود فإن ساحة الدار إذا كانت واسعة نظيفة كانت أدعى لجلب الضيفان وتناوب الواردين والصادرين وإليه ينظر قول الحماسي:
فإن يمس مهجور الفناء فربما * * أقام به بعد الوفود وفود وفي رواية بدله عذراتكم وهو بمعناه قال الزمخشري العذرة الفناء وبه سميت العذرة لإلقائها فيها كما سميت بالغائط وهو المطمئن (ولا تشبهوا) بحذف إحدى التاءين للتخفيف وأصله تتشبهوا (باليهود) في قذاراتهم وقذارة أفنيتهم، ومن ثم كان للمصطفى صلى الله عليه وسلم وصحبه مزيد حرص على النظافة وقد اختار الحق سبحانه من كل جنس أطيبه فاختصه لنفسه والطيب من كل شئ هو مختاره دون غيره وأما خلقه فعام للنوعين وبه يعرف عنوان سعادة العبد وشقاوته فإن الطيب لا يناسبه إلا الطيب ولا يسكن إلا إليه ولا يطمئن إلا به وبين الطيب والخبيث كمال الانقطاع ومنع الاجتماع (ت عن سعد) وحسنه ورواه من طريق أخرى عن أبي ذر وفيها شهر بن حوشب وهو ضعيف والأولى سالمة منه.
1749 - (إن الله تعالى عفو) أي متجاوز عن السيئات (يحب العفو) لما سبق أنه سبحانه يحب أسماءه وصفاته ويحب من اتصف بشئ منها ويبغض من اتصف بأضدادها ولهذا يبغض قاسي القلب والبخيل والجبان والمهين واللئيم، قال العارف ابن أدهم رضي الله عنه خلا لي الطواف ليلة مطيرة فقلت بالملتزم يا رب اعصمني فقيل لي كل عبادي يطلبون العصمة فإذا عصمتهم فعلى من أتفضل ولمن أغفر؟
قال الراغب رحمه الله العفو والصفح صورتا الحلم، ومخرجاه إلى الوجود، فالعفو ترك المؤاخذة بالذنب، والصفح ترك التثريب، واشتقاقه من تجاوز الصفحة التي أثبت فيها ذنوبه والإعراض بصفحة الوجه عن التلفت إلى ما كان فيه وهو محمود إذا كان على الوجه الذي يحب والعفو إنما يستحب إذا كانت الإساءة مخصوصة بالعافي كمن أخذ ماله أو شتم عرضه فإن عادت بالضرر على الشرع أو الناس فله ترك العفو (ك عن ابن مسعود) عبد الله (عد عن عبد الله بن جعفر).
(٣٠٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 298 299 300 301 302 303 304 305 306 307 308 ... » »»