درجة الإيمان مقام الإحسان حتى يصير ما في قلبه من المعرفة يشاهده بعين بصيرته وامتلاء القلب بمعرفته يمحي كل ما سواه فلا ينطق إلا بذكره ولا يتحرك إلا بأمره فإن نظر فيه أو سمع فيه أو بطش فيه وهذا هو كمال التوحيد (وإن سألني لأعطينه) مسؤوله كما وقع لكثير من السلف (وإن استعاذ بي) روي بنون وروي بموحدة تحيتية والأول الأشهر (لأعيذنه) مما يخاف وهذا حال المحب مع محبوبه وفي وعده المحقق المؤكد بالقسم إيذان بأن من تقرب بما مر لا يرد دعاؤه (وما ترددت عن شئ أنا فاعله ترددي عن قبض نفس المؤمن) أي ما أخرت وما توفقت توقف المتردد في أمر أنا فاعله إلا في قبض نفس عبدي المؤمن أتوقف عليه حتى يسهل عليه ويميل قلبه إليه شوقا إلى انخراطه في سلك المقربين والتبوء في أعلا عليين، أو أراد بلفظ التردد إزالة كراهة الموت عن المؤمن بما يبتلي به من نحو مرض وفقر، فأخذه المؤمن عما تشبث به من حب الحياة شيئا فشيئا بالأسباب المذكورة يشبه فعل المتردد فعبر به عنه (يكره الموت) لصعوبته وشدته ومرارته وشدة ائتلاف روحه لجسده وتعلقها به ولعدم معرفته بما هو صائر إليه بعده (وأنا أكره مساءته) وأريده له لأنه يورده موارد الرحمة والغفران والتلذذ بنعيم الجنان فالمراد ما رددت شيئا بعد شئ مما أريد أن أفعله بعبدي كترددي في إزالة كراهة الموت عنه بأن يورد عليه حوادث يسأم معها الحياة ويتمنى الموت كما تمنى علي كرم الله وجهه الموت لاختلاف رعيته عليه وقتالهم له مع كونه الإمام الحق وقد يحدث الله بقلب عبده من الرغبة فيما عنده والشوق إليه ما يشتاق به إلى الموت فضلا عن كراهته فيأتيه وهو له مؤثر وإليه مشتاق وذلك من مكنون ألطافه فسبحان اللطيف الخبير، وهذا أصل في السلوك كبير (خ) في الرقائق (عن أبي هريرة) قال في الميزان غريب جدا ولولا هيبة الجامع الصحيح لعدوه من منكرات خالد بن مخلد لغرابة لفظه وانفراد شريك به وليس بالحافظ ولم يرد هذا المتن إلا بهذا الإسناد ولا خرجه غير البخاري.
1753 - (إن الله تعالى قال لقد خلقت خلقا) من الإنس (ألسنتهم أحلى من العسل) فيها يملقون ويداهنون (وقلوبهم أمر من الصبر) فيها يمكرون وينافقون، وإطلاق الحلاوة والمرارة على ما ذكر مجاز، قال الزمخشري من المجاز حلا فلان في صدري وفي عيني وهو حلو اللقاء وحلو الكلام وأمر ومر وما أمر فلان وما أحلا (فبي حلفت) أي بعظمتي وجلالي لا بغير ذلك كما أفاده تقديم المعمول (لأتيحهم) بمثناة فوقية فمثناة تحتية فحاء مهملة فنون أي لأقدرن لإتاحة وأنزلها بهم، والإتاحة التقدير فالمراد لأقدرن عليهم (فتنة) أي بلاء ومحنة عظيمة كما يفيده التنكير (تدع الحليم) باللام (منهم حيران) أي تترك تلك الفتنة العاقل متحيرا أي لا يقدر على دفع تلك الفتنة ولا كف شرها (فبي يغترون أم علي يجترئون) الهمزة للاستفهام الإنكاري والاغترار هنا عدم الخوف من الله تعالى وترك التوبة، والاجتراء الانبساط والتخشع ذكره القاضي وقال الطيبي أم منقطعة، أنكر أولا اغترارهم بالله وإمهاله إياهم حتى اغتروا ثم أضرب عن ذلك وأنكر عليهم ما هو أعظم منه وهو اجتراؤهم عليه وهذا تهديد