فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٢ - الصفحة ٢٩٨
والنعم (فيها تعطف) أي تحن وترق وتشفق وفي الصحاح عطف عليه شفق وفي المصباح عطفت الناقة على ولدها عطفا حنت (الوالدة على ولدها) من الآدميين وكل ذي روح (والوحش والطير) أي وغيرهما من كل نوع من أنواع ذوات الأرواح ولعل تخصيص الوحش والطير لشدة نفورها والله أعلم بمراد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال القرطبي وحكمة ذلك تسخير القوي للضعيف والكبير للصغير حتى يتحفظ نوعه وتتم مصلحته وذلك تدبير اللطيف الخبير (بعضها على بعض وأخر تسعا وتسعين فإذا كان يوم القيامة أكملها بهذه الرحمة) فالرحمة التي في الدنيا يتراحمون بها أيضا يوم القيامة قال المهلب الرحمة رحمتان رحمة من صفة الذات وهي لا تتعدد ورحمة من صفة الفعل وهي هذه وقال العارف البوني رضي الله تعالى عنه الذاتية واحدة ورحمته المتعدية متعددة وهي كما في هذا الخبر مائة ففي الأرض منها واحدة يقع بها الارتباط بين الأنواع وبها يكون حسن الطباع والميل بين الجن والإنس والبهائم كل شكل إلى شكله والتسعة والتسعون حظ الإنسان يوم القيامة يتصل بهذه الرحمة فتكمل مائة فيصعد بها في درج الجنة حتى ترى ذات الرحيم وتشاهد رجمته الذاتية (حم م عن سلمان) الفارسي (حم ه) عن أبي سعيد الخدري.
1741 - (إن الله خلق الجنة) وجمع فيها كل طيب (وخلق النار) وجمع فيها كل خبيث (فخلق لهذه أهلا) وهم السعداء وحرمها على غيرهم (ولهذه أهلا) وهم الأشقياء وحرمها على غيرهم وجعلهما جميعا في هذه الدار سبعا فوقع الابتلاء والامتحان بسبب الاختلاط وجعلها دار تكليف فبعث إليهم الرسل لبيان ما كلفهم به من الأقوال والأفعال والأخلاق وأمرهم بجهاد الأشقياء فقامت الحرب على ساق فإذا كان يوم القيامة أي يوم الميعاد ميز الله الخبيث من الطيب فجعل الطيب وأهله في دارهم والخبيث وأهله في دارهم فينعم هؤلاء بطيبهم ويعذب هؤلاء بخبثهم لانكشاف الحقائق، قال البيضاوي وفيه أن الثواب والعقاب لا لأجل الأعمال بل الموجب لهما هو اللطف الرباني والخذلان الإلهي المقدر لهم وهم في أصلاب آبائهم بل وهم وآبائهم وأصول أكوانهم بعد في العدم. تنبيه: قال العارف ابن عربي رضي الله عنه عن عقائد الإسلام أن تعتقد ان الله سبحانه أخرج العالم قبضتين وأوجد لهم منزلتين فقال هؤلاء للجنة ولا أبالي وهؤلاء للنار ولا أبالي ولم يعترض عليه معترض هناك إذ لا موجود كان ثم سواه فالكل تحت تصريف أسماءه فقبضة تحت أسماء بلائه وقبضة تحت أسماء آلاءه ولو أراد تعالى أن يكون العالم كله سعيد لكان أو شقيا لما كان من ذلك في شأن لكنه لم يرد فكان كما أراد * (فمنهم شقي وسعيد) * [هود: 105] هنا ويوم المعاد فلا سبيل إلى تبديل ما حكم عليه القديم وقد قال في الصلاة وهي خمس وهن خمسون لا يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد لتصرفي في ملكي وانفاذ مشيئتي في ملكي وذلك لحقيقة عميت عنها الأبصار والبصائر ولم تعثر عليها الأفكار ولا
(٢٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 293 294 295 296 297 298 299 300 301 302 303 ... » »»