فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٢ - الصفحة ٢٩٧
الواسعة (لم ييأس (1) أي لم يقنط (من الجنة) أي من شمول الرحمة له فيطمع في أن يدخل الجنة (ولو يعلم المؤمن بالذي عند الله من العذاب لم ييأس من النار) أي من دخولها قال الطيبي سياق الحديث في بيان صفتي القهر والرحمة لله فكما أن صفاته تعالى غير متناهية لا يبلغ كنه معرفتها أحد فكذا عقوبته ورحمته فلو فرض أن المؤمن وقف على كنه صفة القهارية لظهر منها ما يقنط من ذلك الخلق طرا فلا يطمع في جنته أحد، هذا معنى وضع ضمير المؤمن، ويجوز أن يراد بالمؤمن الجنس على سبيل الاستغراق فالتقدير أحد منهم ويجوز أن يكون المعنى على وجه آخر وهو أن المؤمن اختص بأن يطمع في الجنة فإذا انتفى منه فقد انتفى عن الكل وكذا الكافر مختص بالقنوط فإذا انتفى القنوط عنه انتفى عن الكل انتهى. وقال المظهر ورد الحديث في بيان كثرة عقوبته ورحمته لئلا يغتر مؤمن برحمته فيأمن عذابه وقال العلائي هذا بيان واضح لوقوف العبد بين حالتي الرجاء والخوف وإن كان الخوف وقت الصحة ينبغي كونه أغلب أحواله لأن تمحض الخوف قد يوقعه في القنوط فينقله لحالة أشر من الذنوب (ق عن أبي هريرة) رضي الله عنه وفي الباب عن معاوية بن حيدة وعبادة وغيرهما.
1740 - (إن الله خلق يوم خلق السماوات والأرض مائة رحمة (2) أي أظهر تقديرها يوم أظهر تقدير السماوات والأرض وفيه بشرى للمؤمنين لأنه إذا حصل من رحمة واحدة في دار الأكدار ما حصل من النعم الغزار فما ظنك بباقيها في دار القرار (كل رحمة طباق ما بين السماء والأرض) أي ملء ما بينهما وقد مر معنى الطباق ومقصوده التعظيم والتكثير وورود ذلك بهذا اللفظ غير عزيز (فجعل في الأرض منها رحمة) قال القرطبي هذا نص في أن الرحمة يراد بها متعلق الإرادة وأنها راجعة إلى المنافع

(1) وفي النسخة لم يأمن من النار فهو سبحانه غافر الذنب شديد العقاب والمقصود من الحديث أن الشخص ينبغي له أن يكون بين حالتي الرجاء والخوف.
(2) حصره في مائة على سبيل التمثيل تسهيل للفهم وتقليلا لما عند الخلق وتكثيرا لما عند الله تعالى وأما مناسبة هذا العدد الخاص فثبت أن نار الآخرة تفضل نار الدنيا بتسعة وستين جزءا فإذا قوبل كان جزء برحمة زادت الرحمات ثلاثين جزءا فالرحمة في الآخرة أكثر من النقمة فيها ويؤيده قوله تعالى في الحديث القدسي غلبت رحمتي غضبي ويحتمل أن تكون مناسبة هذا العدد الخاص لكونه مثل عدد درج الجنة والجنة هي محل الرحمة فكانت كل رحمة بإزاء درجة وقد ثبت أنه لا يدخل أحد الجنة إلا برحمة الله تعالى فمن نالته منها رحمة واحدة كان أدنى أهل الجنة منزلة وأعلاهم من حصلت له جميع أنواع الرحمة وهذه الرحمة لمؤمنين بدليل قوله تعالى * (وكان بالمؤمنين رحيما) * [الأحزاب: 43] وأما الكفار فلا يبقى لهم حظ من الرحمة لا من جنس رحمات الدنيا ولا من غيرها.
(٢٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 292 293 294 295 296 297 298 299 300 301 302 ... » »»