فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٢ - الصفحة ٢٨٨
1728 - (إن الله تعالى حيث خلق الداء) أي أوجده وقدره (خلق الدواء فتداووا) ندبا بكل طاهر حلال وكذا بغيره إن توقف البرء عليه ولم يجد غيره يقوم مقامه كما سبق والتداوي لا ينافي التوكل كما لا ينافيه دفع الجوع والعطش بالأكل والشرب وكذا تجنب المهلكات والدعاء بطلب العافية ودفع المضار وغير ذلك ودخل فيه الداء القاتل الذي اعترف حذاق الأطباء بأن لا دواء له وأقروا بالعجز عن مداواته (حم عن أنس) بن مالك قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح خلا عمران العمى وقد وثقه ابن حبان وغيره.
1729 - (إن الله تعالى حيي) بكسر المثناة تحت الأولى أي ذو حياء عظيم وأصل الحياء كما سبق انقباض النفس عن القبائح خوف لحوق عار وهو في حقه تعالى محال والقانون في مثله حمله على الغايات دون المبادئ (1) كما سبق (ستير) بالكسر والتشديد أي تارك لحب القبائح ساتر للعيوب والفضائح فعيل بمعنى فاعل وجعله بمعنى مفعول أي مستور عن العيون في الدنيا بعيد من السوق كما لا يخفى على أهل الذوق (يحب الحياء) أي من اتصف به والمراد الحياء المحمود بدليل خبر * (إن الله لا يستحيي من الحق) * [الأحزاب: 53] (والستر) (2) من العبد وإن كره ما يستر عبده عليه كما يحب المغفرة وإن كره المعصية والعتق وإن كره السبب الذي يعتق عليه من النار والعفو وإن كره ما يعفو عنه من الأوزار والتوبة وإن كره المعصية التي يتاب منها والجهاد وإن كره أفعال من يجاهدوه وهذا باب واسع يضيق عنه الأسفار واللبيب من يدخل عليه من بابه قال التوربشتي وإنما كان الله يحب الحياء والستر لأنهما خصلتان يفضيان به إلى التخلق بأخلاق الله وقال الطيبي وصف الله بالحياء والستر تهجنا لكشف العورة وحثا على تحري الحياء والستر (فإذا اغتسل أحدكم فليستتر) (3) أي يستر عورته بما لا يصف اللون وجوبا إن كان بحضرته من يحرم النظر إلى عورته وندبا في غير ذلك ومن ثم ندبوا أن لا يدخل

(١) أما المبدأ فهو التغير الجسماني الذي يلحق الانسان من خوف كأن ينسب إلى القبيح وأما النهاية فهو أن يترك الانسان ذلك الفعل فإذا ورد الحياء في حق الله فليس المراد منه ذلك الخوف الذي هو مبدأ الحياء ومقدمه بل ترك الفعل الذي هو منتهاه وغايته وكذا الغضب له مقدمة وهي غليان دم القلب وشهوة الانتقام وله غاية وهي إنزال العقاب بالمغضوب عليه اه‍.
(2) الستر بفتح السين أي يحب من فيه تلك ولهذا جاء في الحديث الحياء من الايمان وجاء أيضا من ستر مسلما ستره الله اه‍.
(3) قال العلقمي وسببه كما في أبي داود أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم رأى رجلا يغتسل بالبراز - بفتح الباء الموحدة هو الفضاء الواسع - فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال نبي الله (ص) إن الله - فذكره اه‍.
(٢٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 283 284 285 286 287 288 289 290 291 292 293 ... » »»