فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٢ - الصفحة ٢٥٨
(نزعت منه الأمانة) وأودعت فيه الخيانة (فإذا نزعت منه الأمانة لم تلقه إلا خائنا) فيما جعل أمينا عليه (مخونا) بالتشديد والبناء للمجهول أي منسوبا إلى الخيانة بين الناس محكوما له بها عندهم إذا صار بهذا الوصف (نزعت منه الرحمة) التي هي رقة القلب والعطف على الخلق (فإذا نزعت منه الرحمة لم تلقه إلا رجيما) أي مطرودا وأصل الرجم الرمي بالحجارة فعيل بمعنى مفعول أي مرجوم (ملعنا) بضم الميم وفتح اللام والتشديد أي مطرودا عن منازل الأخيار ودرجات الأبرار أو يلعنه الناس كثيرا وإذا صار كذلك (نزعت منه ربقة الإسلام) بكسر الراء وقد تفتح وسكون الموحدة التحتية أصلها عروة في حبل يجعل في عنق الدابة يمسكها استعير للإسلام يعني ما يشد به نفسه من عرى الإسلام أي ما حدوده وأحكامه قال الحكيم بين به أن الحجاب الأعظم حجاب الحياء وتلك الحجب فروعه انتهى وبه عرف أن الحياء أشرف الخصال وأكمل الأحوال وأس خلال الكمال لكن ينبغي أن يراعي فيه القانون الشرعي فإن منه ما يذم كحياء من أمر بمعروف أو نهي عن منكر فإنه جبن لا حيا ومنه الحياء في العلم المانع للسؤال ومن ثم ورد في خبر إن ديننا هذا لا يصلح لمستحي: أي حياء مذموما (ه عن ابن عمر) ابن الخطاب وضعفه المنذري.
1673 - (إن الله تعالى إذا أحب عبدا) أي رضي عنه وأراد به خيرا وهداه ووفقه (دعا جبريل) أي أذن له في القرب من حضرته (فقال) له (إني أحب فلانا فأحببه) أنت يا جبريل وهو بهمزة قطع مفتوحة فحاء مهملة ساكنة على الفك (فيحبه جبريل) فالضمير في نادى إلى الله تعالى يعني إذا أراد الله تعالى إظهار محبة عبد يعلمها أولا (ثم ينادي) أي جبريل (في السماء) أي في أهلها (فيقول إن الله) وفي رواية بدون يقول وعليها هو بكسر الهمزة على إضمار القول عند البصريين وعند الكوفيين على أن في النداء معنى القول (يحب فلانا فأحبوه) بتشديد الموحدة أنتم (فيحبه أهل السماء) أي الملائكة (ثم يوضع له القبول في) أهل (الأرض) أي يحدث له في القلوب مودة ويزرع له فيها مهابة فتحبه القلوب وترضى عنه النفوس من غير تودد منه ولا تعرض للأسباب التي تكتسب لها مودات القلوب من قرابة أو صداقة أو اصطناع وإنما هو اختراع منه ابتداء اختصاصا منه لأوليائه بكرامة خاصة كما يقذف في قلوب أعدائه الرعب والهيبة إعظاما لهم وإجلالا لمكانهم ذكره الزمخشري قال بعضهم وفائدة ذلك أن يستغفر له أهل السماء والأرض وينشأ عندهم هيبة وإعزازهم له * (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين) * [المنافقون:
8] قال العارف ابن عربي رضي الله تعالى عنه وإذا وقع النداء بمحبته قبلته جميع البواطن وإن أنكرته الظواهر من بعض الناس فالأغراض قامت بهم وهم في هذا كسجودهم لله كل من في العالم ساجد وكثير
(٢٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 253 254 255 256 257 258 259 260 261 262 263 ... » »»