فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٢ - الصفحة ٢١٠
حقيقة بناء على ما عليه الأكثر من وقوع المسخ في هذه الأمة أو مجازا عن البلادة الموصوف بها الحمار، فاستعير ذلك للجاهل حيث لم يعلم أن الإئتمام المتابعة ولا يتقدم التابع على المتبوع أو أنه يستحق به من العقوبة في الدنيا. هذا ولا يلزم من الوعيد الوقوع، وارتضى حجة الإسلام الثاني ورد ما عداه بأن تحويل رأس المقتدي من حيث الشكل لم يكن قط ولا يكون بل المراد قلب معنوي وهو مصيره كالحمار في معنى البلادة إذ غاية الحق الجمع بين الاقتداء والتقدم فعلم أنه كبيرة للتوعد عليه بأشنع العقوبات وأبشعها وهو المسخ لكن لا تبطل صلاته عند الشافعية وأبطلها أحمد كالظاهرية، قال القرطبي وفيه ترك الأمن من تعجيل المؤاخذة على الذنوب (ق عد) في الصلاة (عن أبي هريرة).
1595 - (أما يخشى أحدكم) أيها المصلون (إذا رفع رأسه) من الركوع أو السجود (في الصلاة) قبل إمامه (أن لا يرجع إليه بصره) بأن يعمى قبل رفع رأسه ثم لا يعود إليه بصره بعد ذلك وهذا زجر وتهويل ولا مانع من أن يراد بالبصر البصيرة وفيه كالذي قبله منع تقدم المأموم على الإمام في الرفع من الركوع والسجود وألحق به بعضهم التقدم عليه في الخفض بل أولى لأن الاعتدال والقعود بين السجدتين من الوسائل والركوع والسجود من المقاصد وإذا وجبت الموافقة في الوسيلة ففي المقصد أولى ونوزع بأن الرفع منهما يستلزم قطعه عن غاية كماله ودخول النقص في المقاصد أشد منه في الوسائل قيل وفيه أيضا جواز المقارنة ومنع بأنه دل بمنطوقه على منع المسابقة وبمفهومه على طلب المتابعة وأما المقارنة فمسكوت عنها قال ابن بزيرة واستدل بظاهره قوم لا يعقلون على جواز التناسخ. وهو مذهب ردئ مبني على ترهات وأباطيل (تتمة) قال في الفيض ليس للتقدم على الإمام سبب إلا الاستعجال ودواؤه أنه يستحضر أنه لا يسلم قبله (حم م ه عن جابر بن سمرة) بضم الميم وتسكن تخفيفا.
1596 - (أما والله) صدره بكلمة التنبيه التي هي من طلائع القسم ومقدماته وقرنه بالقسم لتحقيق ما بعده وإثباته في خلد السامع وردا على من عاند في كفره بعدما صار على جلية من أمره (إني لأمين في السماء) قدم السماء لعلوها ورمز إلى أن شهرته بهذه الصفة عند العالم العلوي لا خلاف فيه (أمين في الأرض) أي في نفس الأمر وعند كل عالم بحاله وذا على وزن * (فورب السماء والأرض إنه لحق) * [الذاريات: 23] وقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يدعى في الجاهلية الأمين وإذا أطلقوه لا يعنون به إلا هو وفيه حل مدح المرء نفسه بهذا الوصف للتأكيد (طب عن ابن رافع) قال أضاف رسول الله صلى الله عليه وسلم ضيفا فلم يكن عنده ما يصلحه فأرسل إلى رجل من اليهود يقول له أسلفني رغيفا إلى رجب فقال لا إلا برهن فذكره صلى الله عليه وسلم وزاد البزار اذهب بدرعي الحديد إليه.
(٢١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 205 206 207 208 209 210 211 212 213 214 215 ... » »»