فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٢ - الصفحة ١٨٥
للكمل دونه وهو الكمال الحقيقي قيد النظر إلى الله إما نظر هيبة وجلال في عرصات القيامة أو نظر لطف وجمال في الجنة إيذانا بأن المسؤول هذا (والشوق إلى لقائك) قال ابن القيم جمع في هذا الدعاء بين أطيب ما في الدنيا وهو الشوق إلى لقائه وأطيب ما في الآخرة وهو النظر إليه ولما كان كلامه موقوفا على عدم ما يضر في الدنيا ويفتن في الدين قال (في غير ضراء مضرة) قال الطيبي متعلق الظرف مشكل ولعله يتصل بالقرينة الأخيرة وهي الشوق إلى لقائك. سأل شوقا إليه في الدنيا بحيث يكون في ضراء غير مضرة أي شوقا لا يؤثر في سلوكي وإن ضرني مضرة ما، قال:
إذا قلت أهدى الهجر لي حلل البلا * * تقولين لولا الهجر لم يطب الحب وإن قلت كربي دائم قلت إنما * * يعد محبا من يدوم له كرب ويجوز اتصاله بقوله أحيني إلى آخره. ومعنى ضراء مضرة: الضر الذي لا يصبر عليه (ولا فتنة مضلة) أي موقعة في الحيرة مفضية إلى الهلاك وقال القونوي الضراء المضرة حصول الحجاب بعد التجلي والتجلي بصفة تستلزم سدل الحجب والفتنة المضلة كل شبهة توجب الخلل أو تنقص في العلم والشهود (اللهم زينا بزينة الإيمان) وهي زينة الباطن ولا معول إلا عليها لأن الزينة زينتين زينة البدن وزينة القلب وهي أعظمها قدرا وإذا حصلت حصلت زينة البدن على أكمل وجه في العقبى ولما كان كمال العبد في كونه عالما بالحق متبعا له معلما لغيره قال (واجعلنا هداة مهتدين) وصف الهداة بالمهتدين لأن الهادي إذا لم يكن مهتديا في نفسه لم يصلح كونه هاديا لغيره لأنه يوقع الناس في الضلال من حيث لا يشعر وهذا الحديث أفرد بالشرح (ن ك) وأحمد (عن عمار بن ياسر) قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو به.
1538 - (اللهم رب) أي يا رب (جبريل وميكائيل ورب إسرافيل أعوذ بك من حر النار) جهنم (ومن عذاب القبر) قال عياض: تخصيصهم بربوبيته وهو رب كل شئ من إضافة العظيم له دون ما قد يحتقر عند الدعاء مبالغة في التعظيم ودليلا على القدرة والملك وأشباهه كثير وقال القرطبي خصهم لانتظام هذا الوجود بهم (ت عن عائشة) ورواه عنها أيضا أحمد والبيهقي.
1539 - (اللهم إني أعوذ بك من غلبة الدين) ثقله وشدته وذلك حيث لا قدرة على وفائه سيما مع الطلب وفي خبر أو أثر: ما دخل هم الدين قلبا إلا أذهب من العقل ما لا يعود (وغلبة العدو) من يفرح بمصيبته ويحزن بمسرته وقد يكون من الجانيين أو من أحدهما (وشماتة الأعداء) فرحهم ببلية تنزل بعد وهم كما قال تعالى حكاية عن هارون * (ولا تشمت بي الأعداء) * [الاعداء: 10] وختم بهذه
(١٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 180 181 182 183 184 185 186 187 188 189 190 ... » »»