فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٢ - الصفحة ١٧٦
لكم وقرئ * (لا مقام لكم) * [الأحزاب: 13] بالضم أي لا إقامة لكم انتهى. وفي المصباح أقام بالموضع إقامة اتخذه موطنا (طب عن عقبة بن عامر) قال الهيثمي رجاله ثقات وأعاده في موضع آخر وقال رجاله رجال الصحيح غير بشر بن ثابت وهو ثقة.
1521 - (اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك) أي بما يرضيك عما يسخطك فقد خرج العبد هنا عن حظ نفسه بإقامة حرمة محبوبة فهذا لله ثم الذي لنفسه من هذا الباب قوله (وبمعافاتك من عقوبتك) استعاذ بمعافاته بعد استعاذته برضاه لأنه يحتمل أن يرضى عنه من جهة حقوقه ويعاقبه على حقوق غيره (وأعوذ بك منك) أي برحمتك من عقوبتك فإن ما يستعاذ منه صادر عن مشيئته وخلقه بإذنه وقضائه فهو الذي سبب الأسباب الذي يستفاد به منها خلقا وكونا وهو الذي يعيذ منها ويدفع شرها خلقا وكونا فمنه السبب والمسبب وهو الذي حرك الأنفس والأبدان وأعطاها قوى التأثير وهو الذي أوجدها وأعدها وأمدها وهو الذي يمسكها إذا شاء ويحول بينها وبين قواها وتأثيرها فتأمل ما تحت قوله أعوذ بك منك من محضر التوحيد وقطع الالتفات إلى غيره وتكميل التوكل عليه وإفراده بالاستعانة وغيرها (لا أحصي ثناء عليك) في مقابلة نعمة واحدة من نعمك * (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) * [إبراهيم: 34] والغرض منه الاعتراف بتقصيره عن أداء ما أوجب عليه من حق الثناء عليه تعالى (أنت كما أثنيت على نفسك) بقولك * (فلله الحمد رب السماوات ورب الأرض رب العالمين) * [الجاثية: 36] وغير ذلك مما حمدت به نفسك به وهذا اعتراف بالعجز عن التفصيل وأنه غير مقدور فوكله إليه سبحانه وكما أنه لا نهاية لصفاته لا نهاية للثناء عليه إذ الثناء تابع للمثنى عليه فكل ثناء أثنى عليه به وإن كثر وطال وبولغ فيه فقدر الله أعظم وسلطانه أعز وصفاته أجل، ذكره القاضي وقال الغزالي قوله أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك صفتان مبنيتان على مشاهدة الأفعال ومصادرها منه تعالى فقط فكأنه لم ير إلا الله وأفعاله بفعله من فعله ثم رأى ذلك نقصا في التوحيد فاقترب ودنا عن مقام مشاهدة الصفات إلى مشاهدة الذات فقال أعوذ منك وهذا إقرار منه إليه من غير رؤية فعل وصفة بل رأى نفسه فارا منه إليه فنفي عن مشاهدة نفسه ثم اقترب فقال أنت إلى آخره فقوله لا أحصي خبر عن فناء نفسه وخروجه عن مشاهدته وقوله أنت كما أثنيت إلى آخره بيان لكونه هو المثني، والمثنى عليه وأن الكل منه بدأ وإليه يعود وكل شئ هالك إلا وجهه فكان أول مقامه نهاية مقام الموحدين وهو أن لا يرى إلا الله وأفعاله (م 4) ولم يخرجه البخاري (عن عائشة) قالت فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من الفراش فالتمسته فوقعت يدي على بطن قدميه وهو بالمسجد وهما منصوبتان وهو يقول ذلك.
1522 - (اللهم لك الحمد شكرا) على نعمائك التي لا تتناهى (ولك المن فضلا) أي زيادة وهذا
(١٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 171 172 173 174 175 176 177 178 179 180 181 ... » »»