فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ١ - الصفحة ٤٢٧
568 - (إذا حم أحدكم) بالضم والتشديد أصابه الحمى وهي كما قال ابن القيم حرارة تشتعل بالقلب وتنتشر منه بتوسط الروح والدم في العروق إلى كل البدن وهي أنواع كثيرة (فليسن) بسين مهملة مضمومة في خط المؤلف ونقطها من تحت بثلاث نقط لئلا تشتبه بمعجمة أو بشين معجمة وعليه اقتصر في النهاية وادعى الضياء أنه تحريف (عليه من الماء البارد) أي فليرش عليه منه رشا متفرقا، قال في النهاية: والشن بالمعجمة الصب المنقطع والسن بالمهملة الصب المتصل وهو يؤيد رواية المعجمة وبما أيد به أيضا أن أسماء بنت الصديق رضي الله عنها كانت ترش على المحموم قليلا من الماء بين ثدييه وثوبه وهي لملازمتها للمصطفى صلى الله عليه وسلم داخل بيته أعلم بمراده وقال العسكري بمهملة وقال بمعجمة (ثلاث ليال من) أي في (السحر) بفتحتين أي قبيل الصبح فإنه ينفع في فصل الصيف في القطر الحار في الحمى العرضية أو الغب الخالصة الخالية عن الورم والفتق والأعراض الرديئة والمواد الفاسدة فتطفئها بإذن الله تعالى إذا كان الفاعل لذلك من أهل الصدق واليقين فالخبر ورد على سؤال سائل حالة ذلك ولا يطرد في غيره. (ن) في الطب (ع ك والضياء) المقدسي وطب والطحاوي وأبو نعيم (عن أنس) قال الحاكم على شرط مسلم وأقره الذهبي وسكت عليه عبد الحق فاقتضى تصحيحه وقال ابن القطان:
إسناده لا بأس به وقال في الفتح: سنده قوي وقال الهيتمي بعد عزوه للطبراني رجاله ثقات فما نسب للمؤلف من أنه رمز لضعفه لا يعول عليه.
569 - (إذا خاف الله العبد) قدم المفعول اهتماما بالخوف وحثا عليه (أخاف الله منه كل شئ) من المخلوقات (وإذا لم يخف العبد الله أخافه الله من كل شئ) لأن الجزاء من جنس العمل كما تدين تدان فكما شهد الحق بالتعظيم ولم يتعد حدود الحكيم ألبسه الهيبة فهابه الخلق بأسرهم وحكم عكسه عكس حكمه وقال بعض مشايخنا: وقد عملت على ذلك فلا أهاب سبعا ولا سفرا في ليل مظلم وإن وقع مني خوف من جهة الجزء البشري فلا يكاد يظهر، وبت مرة في ضريح مهجور في ليلة مظلمة فصار كبار الثعابين تدور حولي إلى الصباح ولم يتغير مني شعرة لغلبة عسكر اليقين والتوكل. قال الطيبي: والمراد بالخوف كف جوارحه عن المعصية وتقييدها بالطاعة وإلا فهو حديث نفس وحركة خاطر لا يستحق أن يسمى خوفا وذلك عند مشاهدة سبب هائل فإذا غاب ذلك السبب عن الحس عاد القلب إلى غفلته ولهذا قال الفضيل: إذا قيل لك هل تخاف الله فاسكت فإنك إذا قلت لا كفرت، وإن قلت نعم كذبت، وقال الحكيم: المراد بخوف الله خوف عظمته لا عقابه فإذا حل الخوف القلب غشاه بالمحبة فيكون بالخوف معتصما مما كره دق أو جل وبالمحبة منبسطا في كل أموره ولو ترك مع الخوف وحده لا نقبض وعجز عن معاشه ولو ترك مع المحبة لاشتد وتعدى لاستيلاء الفرح على قلبه فلطف الحق به فجعل الخوف بطانته والمحبة ظهارته ليستقيم حاله ويرقى إلى مقام الهيبة والأنس
(٤٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 422 423 424 425 426 427 428 429 430 431 432 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة