الأبصار إنما هو الرؤية فمعنى قولك أدركته ببصري معنى رأيته لا فرق إلا في اللفظ أو هما أمران متلازمان لا يصح نفي أحدهما مع إثبات الآخر فلا يجوز رؤيته وما أدركته ببصري ولا عكسه فالآية نفت أن تراه الأبصار وذلك يتناول جميع الأبصار بواسطة اللام الجنسية في مقام المبالغة في جميع الأوقات لأن قولك فلان تدركه الأبصار لا يفيد عموم الأوقات فلا بد أن يفيده ما يقابله فلا يراه شيء من الأبصار لا في الدنيا ولا في الآخرة لما ذكرنا ولأنه تعالى تمدح بكونه لا يرى فإنه ذكره في أثناء المدائح وما كان من الصفات عدمه مدحا كان وجوده نقصا يجب تنزيه الله عنه فظهر أنه يمتنع رؤيته وإنما قلنا من الصفات احترازا عن الأفعال كالعفو والانتقام فإن الأول فضل والثاني عدل وكلاهما كمال والجواب أما عن الوجه الأول في الاستدلال بالآية فمن وجوه الأول أن الإدراك هو الرؤية على نعت الإحاطة بجوانب المرئي إذ حقيقته النيل والوصول و * (إنا لمدركون) * أي ملحقون وأدركت الثمرة أي وصلت إلى حد النضج وأدرك الغلام أي بلغ ثم نقل إلى الرؤية المحيطة لكونها أقرب إلى تلك الحقيقة والرؤية المتكيفة بكيفية الإحاطة أخص مطلقا من الرؤية المطلقة فلا يلزم من نفيها أي نفي المحيطة عن الباري سبحانه وتعالى لامتناع الإحاطة نفيها أي نفي المطلقة عنه قوله لا يصح نفي أحدهما مع إثبات الآخر قلنا ممنوع بل يصح أن يقال رأيته وما أدركه بصري أي لم يحط به من جوانبه وإن لم يصح عكسه الثاني من وجوه الجواب أن تدركه الأبصار موجبة كلية لأن موضوعها جمع محلي باللام الاستغراقية وقد دخل عليها النفي فرفعها ورفع الموجبة الكلية سالبة جزئية وبالجملة فيحتمل قوله " لا تدركه
(٢٠٠)