ذلك أي إفناء الهواء للرطوبات عن الأجسام إنما هو لما فيه من أجزاء نارية قلنا فيجب أن لا يكون الهواء البارد فاعلا لذلك إذ لا يتصور فيه الأجزاء النارية مع أنه يفني الرطوبة ويجفف الثوب المبلول وبالجملة فلا يمكن القطع به أي بأن إفناء الرطوبة بمعنى البلة يدل على يبوسة المفني في ذاته لأنه موجود بدونها كما في الهواء وعليكم الدليل الموجب للقطع به وكيف يقطع به وشعاع الشمس يفعل ذلك مع أنه لا يوصف في نفسه بحر ولا يبوسة ولا غيرهما من الكيفيات ثم لا نسلم أن الهواء حار بل هو بارد بطبعه وإنما يستفاد الحر من أشعة الشمس المنعكسة إليه من الأرض فلذلك كلما كان الهواء أرفع وأبعد عن الأرض كان أقل حرا لضعف الانعكاس إليه وهكذا كلما زاد ارتفاعه قل حره وظهر برده حتى يصير زمهريرا في غاية البرودة فلم قلتم إن ذلك البرد الشديد في الهواء ليس له بالطبع بل لمخالطة الأجزاء الرشية المائية التي عادت إلى برودتها الطبيعية ولم يصل إليها أثر الانعكاس ولا نسلم أيضا أنه رطب فإنكم اتفقتم على أن مخالطة الرطب اليابس تفيده استمساكا عن التشتت والهواء ليس كذلك فإن الأجزاء الترابية لا تستمسك بمخالطته ثم لا نسلم أن طبيعة الماء الجمود ولو كان كذلك كان باطن الماء بالانجماد أحرى من ظاهره فظاهر عند العاقل أن جموده ببرد الهواء المجاور له فالبرد بالطبع هو الهواء وأما الماء فإنه بطبعه لا بارد ولا حار وكيف تجمعون بين قولكم طبيعته الجمود مع القول برطوبته فإن قلتم لا منافاة بين القولين لأنه سهل التشكل في نفسه إذ
(٤٧٥)