ولأن ذلك الحكم المذكور الذي هو الآثار المخصوصة لا يعلم إلا باستقراء جزئياتها فإنها مالم تستقرأ جزئياتها لم يعرف كون هذه الآثار خاصة شاملة لها فمعرفتها أي معرفة هذه الآثار وثبوتها للحرارة موقوفة على معرفة الحرارة فتعريفها بهذه الآثار دور لا يقال يكفينا في تتبع جزئياتها والاطلاع على أحوالها المذكورة معرفة الحرارة بوجه ما فإذا عرفت بها أفادت معرفتها بوجه أكمل فلا دور لأنا نقول الاحساس بجزئياتها كاف في معرفة ماهيتها ألا ترى إلى ما ذكره المحققون من أن المحسوسات لا يجوز تعريفها بالأقوال الشارحة إذ لا يمكن أن تعرف إلا بإضافات واعتبارات لازمية لها لا يفيد شيء منها معرفة حقائقها مثل ما تفيده الاحساسات بجزئياتها فالمقصود بذكر خواصها وآثارها في بيان حقائقها مزيد تمييز لها عما عداها لا تصور ماهيتها واعلم أن هذا الذي ذكرناه من آثار الحرارة في الجسم المركب من الأجزاء المختلفة في اللطافة والكثافة إنما يثبت إذا لم يكن الالتئام بين بسائط ذلك المركب شديدا حتى يمكن تفريق بعضها عن بعض وأما إذا اشتد الالتحام بين تلك البسائط وقوي التركيب فيما بينها فالنار بحرارتها لا تفرقها لوجود المانع عن التفريق وحينئذ فإن كانت الأجزاء اللطيفة والكثيفة في ذلك الجسم متقاربة في الكمية كما في الذهب افادته الحرارة سيلانا وذوبانا وكلما حاول اللطيف الخفيف صعودا منعه الكثيف الثقيل عن ذلك فحدث بينهما تمانع وتجاذب فيحدث من ذلك حركة دوران كما نشاهد في الذهب من حركته السريعة العجيبة في البوتقة ولولا هذا العائق أعني شدة الالتئام
(٥٩٤)