المواقف - الإيجي - ج ١ - الصفحة ٥٩٨
الحرارة النارية أنواع متخالفة بالماهية لاختلاف آثارها اللازمة لها الدالة على اختلاف ملزوماتها في الحقيقة فيفعل حر الشمس في عين الأعشى من الإضرار بها ما لا يفعله حر النار فلا بد أن يتخالفا بالماهية والحرارة الغريبة الملائمة للحياة أشد الأشياء مقاومة ومدافعة للحرارة النارية التي لا تلائم الحياة فإن الحرارة الغربية إذا حاولت إبطال اعتدال المزاج الحيواني قاومتها الحرارة الغريزية أشد مقاومة حتى أن السموم الحارة لا يدفعها إلا الحرارة الغريزية فإنها آلة للطبيعة يدفع بها ضرر الحار الوارد بتحريك الروح إلى دفعه وتدفع الحرارة أيضا ضرر البارد الوارد بالمضادة بخلاف البرودة فإنها لا تنازع البارد بل تقاوم الحار بالمضادة فقط فالحرارة الغريزية تحمي الرطوبات الغريزية عن أن تستولي عليها الحرارة الغريزية كالحرارة النارية فهي مخالفة لها في الماهية ومنهم من جعلهما أي الغريزية والنارية من جنس أي نوع واحد فإن الإمام الرازي قال والذي عندي أن النار إذا خالطت سائر العناصر وأفادتها طبخا ونضجا واعتدالا وقواما ولم تبلغ في الكثرة إلى حيث تبطل قوامها وتحرقها ولم تكن في القلة بحيث تعجز عن الطبخ الموجب للاعتدال فحرارتها هي الحرارة الغريزية أفادت المركب من الطبخ والنضج ما يعسر معه على الحرارة الغريبة تفريق أجزائه فالتفاوت بين الغريزية والغريبة النارية ليس في الماهية بل في كون الغريزية داخلة في ذلك المركب دون تلك الغريبة حتى لو توهمنا الغريبة داخلة فيه والغريزية خارجة عنه لكان كل واحدة منهما تفعل فعل الأخرى وإلى ما نقلناه أشار المصنف بقوله فالغريزية هي الحرارة النارية التي خرجت عن صرافتها واستفادت بالمزاج مزاجا معتدلا حصل به التئام تام بين أجزاء المركب فإذا أرادت
(٥٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 593 594 595 596 597 598 599 601 602 603 604 ... » »»