المواقف - الإيجي - ج ١ - الصفحة ٥٩١
المقصد الأول في الحرارة وفيها مباحث أحدها في حقيقتها قال ابن سينا الحرارة تفرق المختلفات وتجمع المتماثلات والبرودة بالعكس وذلك أن الحرارة فيها قوة مصعدة فإذا أثرت الحرارة في جسم مركب من أجزاء مختلفة باللطافة والكثافة ينفعل اللطيف منه أسرع فيتبادر إلى الصعود الألطف فالألطف دون الكثيف فيلزم بسببه تفريق المختلفات ثم الأجزاء تجتمع بالطبع فإن الجنسية علة الضم والحرارة معدة للاجتماع فنسب إليها ومن جعل هذا تعريفا للحرارة فقد ركب شططا لأن ماهيتها أوضح من ذلك ولأن ذلك الحكم لا يعلم إلا باستقرار جزئياتها فمعرفتها موقوفة على معرفة الحرارة واعلم أن هذا إنما يثبت إذا لم يكن الالتئام بين بسائط ذلك المركب شديدا وأما إذا اشتد الالتحام وقوي التركيب فالنار لا تفرقها فإن كانت الأجزاء اللطيفة والكثيفة متقاربة كما في الذهب أفادته الحرارة سيلانا وكلما حاول الخفيف صعودا منعه الثقيل فحدث بينهما تمانع وتجاذب فيحدث من ذلك حركة دوران ولولا هذا العائق لفرقها النار وليس عدم الفعل لوجود العائق دليلا على أن النار ليست فيها قوة التفريق وإن غلب اللطيف جدا فيصعد ويستصحب الكثيف لقلته كالنوشادر أو لا فتفيده تليينا كما في الحديد وإن غلب الكثيف جدا لم يتأثر كالطلق تنبيه الفعل الأول لها التصعيد والجمع والتفريق لا زمان له ولذلك قال ابن سينا في الحدود إنها كيفية فعلية محركة لما تكون فيه إلى فوق لإحداثها الخفة فيحدث عنه أن تفرق المختلفات وتجمع المتماثلات وتحدث تخلخلا من باب الكيف وتكاثفا من باب الوضع لتحليله الكثيف وتصعيده اللطيف وربما يورد عليه أنه قد تفرق المتماثلات كإجراء الماء وتصعدها بالتبخير فقد تجمع المختلفات كصفرة البيض وبياضه ويجاب بأن فعلها في الماء إحالة له إلى الهواء لا تفريق وفي البيض إحالة في القوام لا جمع وستفرقه عن قريب
(٥٩١)
مفاتيح البحث: يوم عاشوراء (2)، الغلّ (2)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 586 587 588 589 590 591 592 593 594 595 596 ... » »»