أي بعد موجود مجرد في نفسه عن المادة سواء كان مشغولا ببعد جسمي يملؤه أو غير مشغول به فإنه في نفسه خلاء ومنهم من جعله عدما صرفا كما مر من أن حقيقة الخلاء عند القائلين بأن المكان بعد موهوم أن يكون الجسمان بحيث لا يتلاقيان ولا يكون بينهما ما يلاقيهما الثاني منهم أي من القائلين بالخلاء أعني بالبعد الموجود المجرد في نفسه عن المادة من جوز أن لا يملأه جسم فيكون حينئذ خلاء بمعنى أنه بعد مجرد عن المادة وبمعنى أنه مكان خال عن الشاغل ومنهم من لم يجوزه فيكون حينئذ خلاء بالمعنى الأول دون الثاني والفرق بين هذا المذهب وبين مذهب من قال بالسطح أن فيما بين أطراف الطاس على هذا المذهب بعدا موجودا مجردا في نفسه عن المادة قد انطبق عليه بعد الجسم فهناك بعدان إلا أن الأول لا يجوز خلوه عن انطباق الثاني عليه وأما على القول بأن المكان هو السطح فليس هناك إلا بعد الجسم الذي هو في داخل الطاس الثالث قال ابن زكريا في الخلاء قوة جاذبة للأجسام ولذلك يحتبس الماء في السراقات وينجذب في الزراقات كما مر وقال بعضهم فيه قوة دافعة للأجسام إلى فوق فإن التخلخل الواقع في الجسم بسبب كثرة الخلاء في داخله أعني أن يتفرق أجزاؤه ويداخلها خلاء يفيد ذلك الجسم خفة دافعة له إلى الفوق والجمهور على أنه ليس في الخلاء قوة جاذبة ولا دافعة وهو الحق
(٥٨١)