المواقف - الإيجي - ج ١ - الصفحة ٥٧٧
ذكرتموه بل الكلام في كل جزء من أجزاء العالم وما يحصل فيه ذلك الجزء من الأمكنة الخلائية قلنا لعل الاختصاص الحاصل لأجزاء العالم بأحيازها المعينة إنما يكون لتلاؤم الأجسام وتنافرها فإن الأرض مثلا لثقلها تقتضي الحصول في الوسط الذي هو أبعد الأخيار عن الفلك وأنت تعلم أن النزاع ههنا في الخلاء بمعنى المكان الخالي عن الشاغل لا في أن البعد المفروض أو الموجود لا يصلح أن يكون مكانا وإذا كان العالم مالئا للأحياز كلها فلا خلاء بهذا المعنى وأيضا ملء العالم لكل الأحياز إنما يتصور إذا كان المكان بعدا موجودا مجردا مساويا لمقدار العالم فإن البعد المفروض لا يمكن أن يوصف بمساواته إياه حتى يمتلئ به وقد استدل بعضهم بهذا الوجه على امتناع أن يكون المكان بعدا مجردا لاستلزامه أن لا يسكن جسم في حيز ولا يتحرك عنه أيضا لما عرفته فأجيب بما ذكره من كون ذلك البعد مساويا للعالم وكون اختصاص أجزائه بأحيازها لما بين الأجسام من الملاءمة والمنافرة الثالث من تلك الوجوه أنه إذا رمي حجر إلى فوق فلولا معاوقة الملء لذلك الحجر عن الحركة لوصل إلى السماء وذلك لأن صعوده إليها إنما هو بقوة فيه استفادها من القاسر فتلك القوة ما دامت باقية يكون الحجر متحركا نحو الفوق وهي أعني تلك القوة لا تعدم بذاتها بل بمصادمات الملء الذي في المسافة فإذا كانت المسافة خالية لم تعدم القوة حتى يصل إلى السماء وهو باطل بالمشاهدة والجواب أنه أي ما ذكرتم من الدليل على تقدير صحته إنما ينفي كون ما بين السماء والأرض كله خلاء إذ حينئذ لم يكن هناك معاوقة مانعة
(٥٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 572 573 574 575 576 577 578 579 580 581 582 ... » »»