في العرف مكانا له دون الآخر إنما الكلام في الحقيقة وأنه لا فرق بين سطحي المحيط والمحاط في الحقيقة المكانية فلو كان أحدهما مكانا للجسم المتوسط لكان الآخر أيضا كذلك وقد يقال مقعر المحيط قد اشتمل على المتوسط وامتلأ به بحيث لم يخرج عنه شيء منه ولم يبق شيء منه خاليا عنه فلذلك كان مكانا له بخلاف محدب المحاط فإنه ليس كذلك فكيف يكون نسبتهما على سواء الاحتمال الثالث في المكان أنه البعد المفروض وهو الخلاء وحقيقته أن يكون الجسمان بحيث لا يتماسان وليس أيضا بينهما ما يماسهما فيكون ما بينهما بعدا موهوما ممتدا في الجهات صالحا لأن يشغله جسم ثالث لكنه الآن خال عن الشاغل وجوزه المتكلمون ومنعه الحكماء القائلون بأن المكان هو السطح وأما القائلون بأنه البعد الموجود فهم أيضا يمنعون الخلاء بالتفسير المذكور أعني البعد المفروض فيما بين الأجسام لكنهم اختلفوا فمنهم من لم يجوز خلو البعد الموجود عن جسم شاغل له ومنهم من جوزه فهؤلاء المجوزون وافقوا المتكلمين في جواز المكان الخالي عن الشاغل وخالفوهم في أن ذلك المكان بعد موهوم فالحكماء كلهم متفقون على امتناع الخلاء بمعنى البعد المفروض لما مر من التقدر فإن ما بين الجسمين اللذين لا يتماسان قابل للتقدر بالتنصيف وغيره ومتصف بالتفاوت مقياسا إلى ما بين جسمين آخرين لا يتماسان كما عرفته ولا شيء من المعدوم كذلك فما بين الجسمين المذكورين أمر موجود إما جسم كما هو رأي القائل بالسطح وإما بعد مجرد كما هو رأي القائل به وهذا الخلاف إنما هو في الخلاء داخل العالم بناء على كونه متقدرا قطعا وأن تقدره هل يقتضي وجوده في الخارج أو لا وأما الخلاء خارج العالم فمتفق عليه إذ لا تقدر هناك بحسب نفس الأمر
(٥٦٥)